موظف القطاع العام

يترنحُ تحتَ ضرباتٍ متتاليةْ موجِعةْ لا تعرفُ الشَفقَةَ ولا الرحمةْ يُضرَبُ في لقمةِ عيشه ، أمنه الغذائي وأمانه الأجتماعي ، يعاني ويتألم في خِضَمِّ صراعٍ مريرٍ ما بينهُ وبين جحافلِ الغدرِ ، الذُلِ والتخلّفْ. سلاحُهُ الايمان بالله ،الصبر وحُبه لترابِ الارضِ التي ارتَوتْ من دماءِ أجدادنا الابطال في معاركٍ ضاريةٍ ضدَّ الغُزاتِ الطامعين على مرِّ الزمن . يخوضُ معركةَ الوجودِ للحفاظِ على ما تبقَّىَ من وطنٍ جَريحْ . وطنٌ جريحٌ بكبريائه يأبىَ أن يخصعَ أو ينكسر أمام القهر والحصار . وطنٌ مُتمَسكٌ بروحهِ ، كيانهْ وتمايزه الساحر ، حضنَ جميعَ أبنائه على اختلافِ انتمأتهِم السياسية ومعتقداتهِم الدينية منذ الازل…في يومٍ ممطر داخل مواقف سيارات إحدى السوبرماركت استيقظَ من غفلةِ القدر على أصواتٍ تعترضُ وترفضُ الأسعارَ الجنونية التي اثقلتْ كاهلهم واحبطتْ عزيمتهُم ، كانَ مُتَقَوقِعاً في مقعدِ سيارَتِهِ كَنسرٍ جريح ينتظر زوجته التي تحاولُ ان تشتري ما تيسَّر من غذاءٍ وحاجاتٍ ضرورية ، مأخوذٌ بأنغامِ رياحِ الشتاء الباردة ، مسحورٌ بحباتِ المطرِ تَنهَمرُ وتتسابقُ على الزجاجِ الأمامي إلى هدفٍ مجهول ، يتابعُها بنظراتٍ شارِدةْ ، يحاورُها يحاسبها على الانهيار الحاصل وارتفاع الأسعار ، يحتسبُ معها القيمةَ الفعليّة لراتبه الشهري المتواضع مقابل العملةِ الصعبة.يعاتبُها بشيءٍ من الحزنِ والألم.يستعطفُ الوقتَ لتُشفى جراحه ،مشاعِرُهُ باردة شاغرة منفيةٌ الى جُزُرِ القيامةْ ،قلبُه بارد أصبح مجردُ مضخة تضُخُ الدماء في عُرُوقِهِ لتُبقيهِ حيّاً، نبضاتهُ  فقدتْ إيقاعها المُنتَظِم وباتتْ كهديرِ محركٍ من الطرازِ القديم …انتفضَ فجأةً وارتعدتْ فرائصهُ خوفاً وفزعاً بعد أن قفزتْ فتاةٌ بسنِ المراهقة إلى داخلِ سيارته بشكلٍ مفاجئ دون أذنٍ او سؤال بالتزامن مع وصولِ رسالةٍ قصيرةٍ إلى هاتفهِ الخليوي تُبلغهُ بسحب ما تبقَّى من رصيده بالمصرف لمصلحة السوبرماركت 😂. جَلَستْ الفتاة بجانبه وكان قد بدا واضحاً على وجهها علامات الإحباط والتعب، وقبلَ أن تلتقطَ أنفاسها عاجلها بسؤالٍ : من أنتِ! ماذا تريدين؟ ما الذي حصل! ؟ وكان يستعجلها كي يعلم سبب لهفتها وقلقها… 

أجابت قائلة : أرجوكَ يا سيدي لقد توقفتْ خدمة الأنترنت في المنزل بسبب الصاعقة أخشى ان تكون المودم قد احترقت! 

أخذتهُ الدهشة وتحولت مشاعرَ الخوف والفزع إلى شعورٍ يتأرجح ما بين الضحك والغصب وتساءل في نفسه من أين تعرفني هذه الفتاة؟ ثم قال : آسف يا عزيزتي لا يمكنني أن أقدم لكِ أيَّة مساعدة أننا في فترةِ أضراب عن العمل لعلّنا نحصل على الحد الأدنى من مطالبنا، واستطرد قائلاً ومتهكماً يحاولُ أن ينتقم منها بسبب ما فعلته : أسمعي باستطاعتك أن تستخدمي التخاطر وتوارد الأفكار ما بينك وبين من ترغبين التواصل معه ريثما يتم إصلاح العطل . سألت الفتاة :حقاً!! ما هو التخاطر ،وكيف لي أن أقوم بذلك؟ 

أجابها : الموضوع معقد قليلاً يا عزيزتي ويحتاج ما يلزم من الوقتِ والصبر … لِما لا تعطيني رقم هاتف والدتكِ لأكلمُها ونتفق على ما يلزم؟

الفتاة : وما حاجتكَ لرقمِ الهاتف وانتَ تتمتع بقدرات التواصل من خلال توارد الأفكار ؟! هيا قم بذلك وقُل لها أن تحضر إلى هاهنا إنها تتبضع في الجِوار.

سادَ الصمتُ لبرهةٍ وما أن مرّتْ لحظاتٍ حتى وصلتْ سيّدة تحملُ بيديها أكياس متنوعة وكأنما من أحدٍ استدعاها ، وقفت بالقربِ منهُمْ ، تُنادي على ابنتها المندهشة لما حدث لتنزل من السيارة، قدَّمت اعتذارها نيابةً عن ابنتها بعد أن ألقتِ التحيّة  والسلام بكل   مودَّةٍواحترم!

مشت الفتاةُ بجانبِ والدتها وكانت ترمقُهُ بين الحين والآخر بنظراتٍ فيها من الدهشة والاستغرب ما يثيرُ

ُ الضحك والأسف في آنٍ واحد … 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You may use these HTML tags and attributes:

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>