لا شكَّ إنَّ الكِتابةَ عن الموت تتطلب الجرأة ولكن القرأة عن موضوع الموت قد يتطلب أكثر من الجرأة.ما سرُّ تلكَ الكلمة عندما تقع على مسامعنا نحن البشر تقشعرُّ لها أبداننا وترتعدُ فرائصنا من شدّةِ الخوف والهلع ، نجدُ أنفسنا عاجزين خاضعين وتظهر بمخيلتنا آلاف الوجوه لأشكالِ الموت وألوانه،نستذكره ونلمح خياله بجناحيه السوداوين يتوارى خلف أفق يشبه بألوانه ألوان الشمس عند ساعة الغسق خاطفاً منّا الأحباء والأصدقاء على غفلة من الزمن ثم يغيب ويختفي تحت ظلمة المجهول ليطلّ علينا مجدداً من خلف جبال الواقع الأليم يختار من حان أجله ويحمله إلى عالم المجهول في دوامةٍ لا تنتهي، فنستسلم أمام عظمته وجبروته نسترسل في بُكاءٍ عميق على أنفسنا وعلى من نُحب
ونرتمي بأحضانه هرباً وتحرراً من ذواتنا البشرية الضعيفة .أما أنا سأخبركم عن موتي عن تجربتي مع الموت . غلبتني مشاعر الخوف والقلق حينما سمعت من الطبيب عن سؤ حالي وانسداد شرياني ووجدت ذاتي البشرية مرميةٌ على طاولةٍ في غرفة العمليات الجراحية مغطَّاةٌ بشراشفٍ بيضاء تفوح منها رائحة لأدوية تعقيم لم أعرفها من قبل . على مقربةٍ مني كانت تقف إحدى الممرضات تعمل على تحضير ما يلزم من معدات طبيّة خاصة لعمليات القسطلة ، تخليتُ عن كبريائي وعن شخصيّة عنترة ، ترجلتُ عن صهوة حصاني العربي بعد أن نال مني الخوف ،نزعتُ عن وجهي قناع القسوة والامبالاة وخلعت عني رداء الشجاعة وقلتُ لها بصوت فيه من الأستعطاف والتمني ما يذيب قلب الحجر ، بالله عليكِ يا ملاكي ألا تتكرمي علي بحقنة من المهدىء تُبعد عني توتري وتُعيدني إلى ذاتي ؟ أبتسمت وقالت: لا تقلق يا سيدي لك ما تريد ، وتابعت مبتسمة، بالحقيقة كنتُ على وشك الأنتهاء من حقنها في الأنابيب المتصلة بإحدى عروقك فهي توازي ما لا يقل عن نصف زجاجةً من الويسكي الفاخر . ما أن مرت لحظات حتى وقعتُ تحت تأثير المخدر تلاشى توتري وهدأت ذاتي وبتُّ أرى أطباء الجراحة كأشباه ألآلهة يتمشون في أروقة المستشفى يصنعون المعجزات يستقرضون السنين من الخالق القدير ويضيفونها على أعمار مرضاهم أوقاتاً إضافية تُصرف على شراء السعادة والفرح. جلس الطبيب الجرّاح على كرسي خاص كان قد وُضعَ على جانبي الأيسر وبعد أن أدخل منظار خاص في شرياني الأساسي توقف لبرهةٍ وجحظت عيناه متأملاً في شاشة كبيرة يستطلع النتيجة ويحلل سبب الأنسداد محتارٌ بأمري كوني لا أدمن التدخين وأتَّبعُ نظام غذائي صحي ثم وقف وقال: إنَ أحد شرايينك قد تعرض للأنسداد بنسبة مئة بالمئة وهنالكَ شريانٌ آخر مسدود بنسبة سبعون بالمئة وسنعمل على معالجتهما في الحال واستدرك الحمد لله إننا استطعنا أن نكتشف الأمر قبل فوات الأوان لأنَّ حالتكَ نادرة وكان من الممكن أن تؤدي بكَ إلى موتٍ  مفاجيء لا سمحَ الله ثم تابعَ ولكن ما يحيرني حتى اللحظة أسباب الأنسداد وهو لا يدرك بأنَ أنواع الورود وأشكالها قد نبتت على آثار قدميكِ العاريتين حيث كنتِ ترقصين في مدخل شرياني يا اميرة قلبي حبي وسبب جنوني .أما عن الموت فإنَ بعدكِ عني كأنه موتي وقربكِ مني كأنه سنين إضافية في رحلةِ حياتي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You may use these HTML tags and attributes:

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>