• أَرَاهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَتَمَشَّى ويَتمَختر عَلَى مَرْجِ حديقتي الْأَخْضَر دُونَ استأذانٍ أَوْ خَوْف ، يَتَفَقَّد بَراعِمَ الْوَرْدِ أَن تَفَتَّقَت وَأَلْوَانُ الزُّهُور لَو تَفَتَّحَت . عُصْفُورٌ أَسْوَدٌ يتباهَ بِمِنْقَارِهِ الْأَصْفَر يَتَمَرَّغُ عَلَى تُرَابِ الْأَرْضِ ثُمّ يَتَنفضُ بِجَنَاحَيْهِ البرَّاقينِ ويَتَلَفتُ إلَيّ مُتَحَدِّياً هَيْبَتِي وحُضُوري … صَرَخْتُ بِهِ مُنَادِيًا بَيْنَمَا كُنْتُ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ الهزاز أُحَاوِلُ أَنْ أَكْتُبَ مَا تيسَّرَ لِي مِنْ أفْكَارٍ وَخَوَاطِر لِأَعُودُ وأرميها فِي جَدْوَلِ النِّسْيَانِ …مَاذَا تَفْعَل فِي أَرْضِي وحَديقتي ؟ أَلَمّ تَسْمَعُنِي ؟ ! هَكَذَا نَادَيْتُ عَلَيْهِ للمرةِ الثَّانِيَة بِصَوْتٍ جُهوري ونبرة حَادَّة فِيهَا مِنْ الجِدِّيَّة وَالتَّهْدِيد مَا يُخِيفُ عَنْتَرَة . ! 😅 …. الْتَفَتَ إِلَيَّ بهدؤ وَسَأَلَنِي أتُخاطِبُني يَا ابْنَ الْإِنْسَان .؟! أَخَذْتَنِي الْحِيرَةُ والدهشةُ وَلَم أَصْدَقَ مَا سَمِعَتهُ أُذُنَاي. ، عُصْفُور يَتَكَلَّم . ! ! ؟ اغمضتُ عَيْنَاي لبرهةٍ لأتأكد إنْ كُنْت فِي الْحِلْمِ أَم الْيَقَظَة ثَمّ فتحتهما لَأَجِدُه مِلَاكاً عَلَى شَكْلِ مَا تَصَوَّرَهُ الْإِنْسَان ورسمه بلوحاتٍ فنيّة وَكَمَا تَشَكلَ بايادِ النحاتين المُبدعين . . . مِلَاكٌ بِجَنَاحَيْن الْجَنَاحُ الْأَيْمَن لَوْنُهُ أَبْيَضُ نَاصِعٌ بِرِيشٍ نَاعِمٍ يشبهُ رِيشُ النَّعَامِ أَمَّا الْجَنَاحُ الْأَيْسَرِ مَصْبُوغٌ بِاللَّوْنِ الْأَسْوَد وَلَه رِيشٌ يُشَابِهُ رِيش الْغُرَابِ . فِي عَيْنَيْهِ سَطْوَةٌ مخيفةٌ وحنانٌ وَعَاطِفَة جياشة ، لَوْ نَظرَتَ إلَى عَيْنِيَّه تَضْمَحَل الْأَشْيَاءَ مِنْ حَوْلِكَ وَتَخْتَفِي الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ . سَأَلْتُهُ بَعْدَ أن تخليتُ عَن ذَاتِيٌّ الزَّائِلَة وَتَرَفّعْتُ إلَى رُوحِي الصَّافِيَة . . . مَنْ أَنْتَ ؟ قَال : أَنَا الأله المجهول مِلَاكُ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، أَنَا حَارِسُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، أَنَا نَبَعُ الْحُزْن والْفَرَح . أَنَا خَمْرة الْمَحَبَّة وَعَلْقَم الْقَدْر ، أذهبٌ حيثُ ما تذهب ورابضُ حيثُ ما تربض . . لَو عانقتكَ بجناحي الْأَيْمَن لِلَحْظِهٍ تَكُونَ قَدْ خَرَجَتْ لتوّك مِنْ تَحْتِ جَنَاحَي الْأَيْسَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ لحظةٍ مُمَاثِلُة… . ثُمَّ قَالَ : بِالتَّأْكِيد أَنْت فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ فَقَدْ قَابَلَت جَدُّك مُنْذ قُرُون مَضَتْ عَلَى قِمَمِ جِبَال لُبْنَان الشَّرْقِيَّة وَفِي ضَوَاحِي قانا الْجَلِيل يَقْتَفِي آثَار خُطُوَات الْمَسِيح المخلّص وَيَبْحَثُ عَنْ بُذور الْمَحَبَّة وَالْإِيمَان علّه يَجِد سَبِيلًا لاكتشاف لُغْز النَّفْس الْبَشَرِيَّة . حينها سَجَدَتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ وانحنيتُ بِرَأْسِي بَعْدَ أن تَقَدُّمَ مِنِّي وعانقني بِجَنَاحِيه قَائِلًا يَبْدُو إِنَّك سَائِرٌ عَلَى خَطَّى جَدُّك أخشى عليكَ أن تضيعَ في بحرِ أسرار الدُنيا وتتوه بأغوارِ المجهول..ثُمَّ رُفِعَتْ بِرَأْسِي لَأَجِدُه قَد تَوَارَى عَنْ الأَنْظَارِ عُصْفُورٌ جَمِيلٌ أَبْيَضُ . . ! . مِلَاك الظَّلام والنُّور

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You may use these HTML tags and attributes:

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>