• كنتُ قدْ وصلتُ باكراً  للمشاركةِ  بأحتفالٍ سياسي لأحد الوجهاء المعروفين بُغيتَ أعلانِ ترشيحه عن احدِ المقاعدِ النيابية…. على المدخلِ الرئيسي  كان هنالكَ مجموعة من الفتياتِ الأنيقاتِ  يرتديّن لباساً موحداً  يشبهُ بتصميمهِ إلى حدٍ كبير لباسُ مضيفات الطيران. كان واضحاً من خلالِ تصرفاتهنَ  انهنَ محترفات  يستقبلنَ  المدعوُّين بالترحابِ وبكلِ لباقةٍ وتنظيم … أهلاً وسهلاً بكَ، تفضل يا استاذ، هكذا قالت لي احداهن من اللواتي يمتلكن سلاح من العيار الثقيل، عينان ملونتان بألوان ساحرة لا يسعك سوى الانصياع لاومرهما ، ارجوك تفضل، تصرف وكأنكَ في منزلِك…. ضحكتُ في سرّي وتسألتُ : كأني في منزلي؟؟ ! كيف ذلك ومساحةُ منزلي الإجمالية لا تعادلُ مساحة الطاولاتِ المستديرة الموزعة في أنحاءِ المرجِ الأخضرِ لحديقةِ القصر . طاولاتٌ مغطاتٌ بشراشف بيضاءُ كأنها العروسةُ في ليلةِ زفافها. وصيفاتها  الكراسي التي تُحيط بها من كُلِّ جنبٍ وصوب… تخلصتُ من خوفي وقلقي بعد أن شربتُ ما يكفي من الخمرِ ، كانت قناني (black) تَستعرضُ وتتباهَ بقوامها الأسود وتتمايل  على الطاولاتِ المزينةِ بأغلى أنواعِ المكسراتِ وأشكالها،  تعانقها باقاتٍ من الورودِ الملوّنة لتزيدُ على الأغراءِ إغراءُ … استجمعتُ قواي ووقفتُ بعدَ أن  تقمصَني ذلكَ الفتى الأرعن كأنهُ أبليس حيثُ عُدتُ بقطار الزمن الى فترةِ المراهقة حيث كنتُ صاحب مقالب ومخترع المشاغبات ، دفعني بخطواتٍ واثقة  نحو منصةٍ كانت مُعدّة سلفاً لألقاءِ كلمة المرشح المنتظر، وبالطبع لم يسألني سائلٌ ولم يوقفني غفير   ظناً منهم إنني من  منظّمي الحفل… اعتليتُ المنصةَ بكلِ ثقةٍ وجديّة وكنتُ قد قررتُ أن القي كلمةً قصيرةً مقتضبة وبشكلٍ سريع خوفاً من أن يُفضَحُ امري . لامستُ رأس المزياع بأطرافِ اصابعي  ثم طرقتُ عليه طَرَقاتٍ خفيفة للتأكد من انهُ يعمل بشكلٍ جيد… طق طق طق، ثمَ بادرتُ قائلاً :(بالعاميّة) مسا  الخير، وأهلا وسهلا بالحضور الكريم، شرف كبير الي انو التقي فيكن اليوم… سمحو لي عرفكن بنفسي اكيد في كتير منكن  ما بيعرفني ويمكن بيشوفني لاول مرة… انا مواطن عادي من الطبقة الاجتماعية الوسطى وما دون، بحمل اسم عيلي  معروفة منتشرة على كامل الأراضي اللبنانية  . من حسن حظي انو لا اسمي ولا  اسم عايلتي  بيدل إلى اي دين او طائفة  بنتمي، وهالتميّز خلاني اتحرك بسهولي وحرية  بكل المجالات أكتر وأسهل  من باقي الأشخاص يلّي بيحملو اسماء بتدل بوضوح على طائفة او انتماء سياسي معين …ثم توقفتُ عن الكلام ونظرتُ لأجدَ امامي عيونٌ شاخصة وافواهٌ شاغرة. استدركتُ متابعاً بهدوء :اكيد البعض منكن رح يستغرب هالكلام  ويرفضو بس للاسف هيدا الواقع يلي عايشينو… واذا ما اعترفنا بالواقع ما رح نقدر نغيّرو… من فجر الاستقلال  تخلصنا من الأحتلال والأنتداب الأجنبي  ولكن بقينا أسرى، نعم  أسرى بنفوسنا   ومنعزلين  داخل الطوائف والمذاهب وأجت الاحزاب لتكرس الأنقسام الطائفي والمناطقي حتى تبقى مسيطرة وتتقاسم النفوذ والمناطق . بقينا مرضى وانتقلت لاولادنا  عدوَى الأستزلام الأعمى للزعماء التقليديين زعماء أجدادن حكمو جدودنا من ميّة سني ولادن ورتو الزعامي ونحن ورتنا الخضوع والتبعيّة… من الطبيعي وبمعظم دول العالم في رئيس وفي مرؤوس وفي قائد وفي تابع ولكن هالمعادلة بتكون نتائجها النجاح والتطور على كل الاصعدة وجود الأحزاب والتنافس لخدمة الوطن والمجتمع بأجواء ديمقراطية  علامات صحة. انما الواقع عنّا مختلف ومغاير لا بل النقيض تماماً ، يعني بدل ما يكون التنوع والاختلاف بالأراء نعمة تحول إلى نقمة. هنالكَ من يقول : المجتمع بلا  دين متل السفينة بلا قبطان. صحيح بس نحن مجتمع في أكتر من دين ولكل دين اكتر من طائفة ولكل طائفة اكتر من مذهب ولكل مذهب اكتر من قبطان كرمال هيك ولأنو هيدا الواقع الاليم مش لازم نستسلم خلينا ننتفض ونتحرر من السجون الطائفية والحزبية ونقطع حبل الصرّة  ونتخلص من هاجس الحروب الاهلية، خلينا نأسس مجموعة من اشخاص تكون نواة لمجتمع  عندو  مصلحة الوطن فوق كُل اعتبار… توقفتُ عن الكلام لألتقطُ أنفاسي وتفاجأت بسماع هتافات من الحضور ( بالروح بالدم نفديك يا زعيم) على الفور رفعتُ يدي إلى الأعلى وصرختُ : لحظة، لحظة يا شباب. انا مش مرشح. انا سكران….

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You may use these HTML tags and attributes:

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>