قرّرَ رجلاً غنياً من أصحابِ الشركاتِ الكبيرة أن يُعطي لنفسهُ يومَ اجازةٍ بعد ان سَبَقتهُ السنين ونالَ منه التعبْ، فقصدَ احد الشواطئ النائية طلباً للعزلةِ وهرباً من صَخبِ الحياة. وبعد ان جلسَ متظللاً بما يشبهُ المغارةَ… لاحظَ قاربَ صيدٍ خفيف متوجهاً نحو الشاطئ على مَقربةٍ منهُ ، ما لبسَ ان رَسا في خليجٍ صغير كأنه ميناء نَحتتهُ الأمواجُ مع مرورِ الزمن … على مقربةٍ من الشاطئ استصْلَحَ الصيادُ مساحةً بسيطة من الأرضِِ بعد ان نزلَ من قاربهِ حاملاً معهُ سلةٌ ممتلئة بانواعِ السمكِ الطازجْ، ثم باشرَ بأشعالِ النارِ بما تَيَسّرْ من عِيدانِ الحَطبِ كانتْ قد لَفَظتها الأمواجُ بليالٍ مُقمِرةْ… بينما كانت النارُ مشتعلةْ كانَ الصيادُ يعملُ بالتوازي على تنظيفِ السمكِ في بركةِ مياهٍ ضحلةْ بانتظارِ ان يتحولَ اللهبُ إلى جمرٍ يَصلُحُ لشواءِ ما تم اصطياده …َ اجتاحتْ نسماتُ البحرِ الناعمةْ مقرَّ رجلِ الأعمال حاملةً في طيّاتها رائحةَ السمكِ المشوي فايقظتْ شهيّتهُ ليتناولَ بعضاً منهُ وما بينَ رغبَتهِ بتذوّقِ السمكِ وحشريتَهُ ، ما وجدَ نفسهُ الا واقفاً بالقربِ من الصيّادِ يلقي عليه التحيّةَ ويتوددُ اليهِ بكلماتِ المديح والإعجاب … فطلبَ منهُ الصيادُ وتمنّى عليه ان يُجالِسهُ ويشاركهُ طعامهُ…وبعد ان دَارَ حديثٌ قصيرٌ بينهما، قال الرجل: يبدو جليّاً بأنك تَستَمتعْ بما تقومُ به ،موجِّهاً كلامَهُ للصيادْ. اجابَهُ الصيادُ مبتسماً : لستُ مستمتعاً بل أشعرُ بالسعادةْ.
الرجل: حسناً، أخبرني ما الفرقُ ما بينَ المتعةِ والسعادةْ! ؟؟…
الصياد : المتعةُ يا سيِّدي ملمُوسةٌ ومرئيِّةٌ ، شعورٌ مؤقتْ ، كما وانها تحتاجُ الى موادٍ لتتحقق، تزولْ حينما تنتفي الأسبابْ ويعود الشخص إلى حالتهُ النفسيّة السابقة… بامكانك ان تستمتع بما تأكُلهُ او بسيارة جديدة او بصفقة تجاريّة مربحة…
اما السعادة هي حالة نفسيّة ثابتة تنمو ضمنَ ظروفٍ اجتماعيّة وعائليّة خاصّة وبانجازاتٍ فيها من العطاءِ المجَّاني لا يحدُّها مكانٌ او زمانْ، السعادة احساسٌ غير مادِّي وغير ملموس تُبذلُ بالعطاء والتضحية راسخة بالنفوس كالايمان… لا شكَ ان المال حاجة ضرورية لِنَستَمتعْ بالحياة لٍفتراتٍ محدودةٍ وبأشياءٍ مُحدَدةْ ، أمَّا السعادةْ لا تُشتَرى بالمال. لو أردّتَ ان تكونَ سعيداً لا تَكُنْ سطحياً وتتلهّى بالقشورِ بل غِصّ إلى الاعماقِ حيثُ تجد السعادة واسرارها… اندهشَ الرجل بما أجادَ الصيادُ من شرحٍ مستفيضٍ ومعلوماتٍ هامّة، وسألهُ مستغرباً : كيفَ لكَ ان تَمتلكْ هذا الكمّ من المعلوماتِ والخبرة والاسلوب.! أليّستْ حرفةُ الصيدِ مهنةٌ لك؟ الصيّاد: لا يا سيدي في الحقيقة ومع كلِ احترامي لكَ ولاصدقائي الصيادين . انا دكتور متخصص بعلم النفس اعمل على أبحاثٍ ودراساتٍ عن الفروقات بالمستوى المادّي بين الشُعوب وتأثيره على المجتمع…😂😂😂