مهلاً لأخبركم عن قصة حذاء منسي على أطرافِ الزمن . كثيرون من اعتقدوا بأنهم يعرفونَني وأنا ايضاً ظننتُ لسنواتٍ مضت من عمري بأنني أعرفُ نفسي . في الحقيقةِ عشتُ معظم حياتي ما بينَ الواقع والخيال أبحثُ عن ذاتي في طيّاتِ قناعاتي ،مبادئي ومعتقداتي وما زلتُ حتى اليوم ضائع في أسرارِ هذا الكون والمتاهاتِ . دعوني أروي لكم ما حصلَ معي منذُ فترة من الزمن .
بعدَ أن تكاثرتْ علي الهموم وشوَشتْ أفكاري التوقعات والتحاليل السياسية على محطاتِ التلفزة ومواقع التواصل الإجتماعي عن الأزماتِ المتلاحقة والإنهيار الحاصل في هذهِ المرحلةِ الصعبةْ… غلبني الضجر ونالَ مني التعب بعد صراعٍ مرير وصيفٍ طويل لتأمين الحاجات الأساسية الملحَّة ؛ وما زادَ الهمّ فوقَ الغمْ سوى خلافٍ وقعَ ما بيني وبينَ حبيبتي وأميرتي على جنس الجن ولونه ، وبتُ عالقاً ما بينَ اليقظة والحلم، ثمَ وجدتُ نفسي خارجاً أسيرُ على غيرِ هُدى من شدةِ الحردِ والضياع ، هرباً من الوباءِ المشؤم مدجدجٌ بما املكُ من أسلحةٍ لمجابهةِ الكورونا والإنهيار…
الكمامة ، القفازات، ومعقمُ اليدين برائحةِ النعناع مستقويا بايماني بالله وبمسبحةِ العذراء مريم حولَ عُنقي مصنوعةٌ من خشبِ الوردِ المعطر بعطرٍ سماوي؛ وما زلتُ اجهلُ
إن كان ذاك العطر يعبقُ من خشبِ الوردِ أم من أناملِ أميرتي صاحبةُ الهدية!!! وبعد أن وصلتُ إلى مفترقِ طرقٍ لا يبعد سوى مئاتِ الأمتارِ عن منزلي دفعتني حشريتي أن أدخلَ بذاكَ الطريق الترابي الضيق وقد أصبحَ من أشباه الطرقات بعد أن نبتت وتكاثرتْ الأعشابُ البريةُ على جانبيهِ وانتصبتْ كفصيلةٍ من العسكرِ التركي تؤدي التحية لكلِ من تجرأ ودخل…
ومما أخاف وماذا سأخسر؟ وقد عتقّتُ الكتابةَ والشعر واعتزلتُ العشق والغرام؛ شددتُ همتي وعزيمتي، تسارعت خطواتي حتى وصلت إلى خرابٍ قديم نهاية الطريق؛ وقد نقشتْ حباتُ المطر على جدرانهِ لوحات مزخرفة وتسابقتْ العصافير لبناءِ اعشاشها على شرفاتهِ ؛ تراصفتْ الاعشابُ والازهارُ البرية الملونة بين مداميك حجارته الضخمة العتيقة بخطوط عامودية وافقية لتشكل اروع اللوحات الفنية…
جلستُ على مقعدٍ قديم من حجرٍ مقصوب يقابلني بابٌ مخلوع تعلوهُ عتبةٌ ضخمةٌ منحوتٌ عليها رسمُ الصليب وكلمة يا رب؛ ولا يسعني إلا التوقف والتأمل بتلك العتبة المتواضعة والمنخفضة بشكل واضح مقارنةً مع البناء الحديث وقد كانت تقفُ حاجزاً ومانعاً لدخولِ العسكر التركي على صهواتِ جيادِهم للتنكيلِ بالعوائل الآمنة …
من خلالِ ذلكَ البابِ العتيق المكسور تسللتْ أشعةُ الشمس الى الداخلِ كخيوطٍ ذهبية تربطُ ما بين الحاضر والماضي البعيد؛ انتصبتُ وافقاً ومشيتُ متوجهاً الى الداخلِ من دونِ أن أشيحَ بنظري عن حذاءٍ عتيقٍ منسي في إحدى زوايا ذاك الخرابِ ؛ ولاحظتُ من النظرةِ الأولى وبوضوح المفارقة الكبيرة من حيث الحجم ما بينه وبين الأحذية العصرية… اقتربتُ رويداً رويداً وبهدؤ وكأنني حريصٌ ألا أُوقظهُ من ثباتهِ العميق؛ اقتربتُ متأملاً متفحصاً الجروح والكدمات التي اصابتهُ وقد بدى واضحاً وجلياً خضوعه لعملياتِ جراحية لانقاذه من بعض الحوادث التي تعرض لها على مر السنين؛
الفردتان مصنوعتان من الجلدِ السميك بلونِ ترابِ الارض ، نعالهُ مفصّلة من بقايا اطارٍ عتيق؛ لكلِ فردةٍ شكلها الخاص وملامحها الخاصة ؛ ترافقا على مدى سنواتٍ، تشاركا بالأعمالِ الشاقة ، النزهاتِ الجميلة واوقاتِ الاستراحة؛ يتبعادان عند الخصام ويتقاربان وقت الرضى؛ …
تعجبتُ من نفسي بعد ان خطرَ لي ان انتعلهُ ؛ وقفتُ مبتسماً متردداً خلعت حذائي الرياضي وانتعلتهُ وما أن وطئت قدمي نعاله حتى تقمصّتُ برجل قُروي قويُ البنية عريضُ المنكبين؛ يرتدي شروال اسود وعلى راسهِ لبادٌ من الصوفِ؛ يُمسِكُ بيدهِ المحراث ، يسوقُ ثورين ضخمين ويصيحُ بهما بكلماتٍ غير مفهومة؛ بقيتُ على هذه الحال حتى سمعتُ صوت امراة تناديني؛ التفتُ لاجدَ خلفي اميرتي تعمل على جمعِ البطاط من بينِ اثلامِ الترابِ الأسمر…
وتقول: اسم الله، اسم الله السني الموسم حرزان…

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You may use these HTML tags and attributes:

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>