حينما أصدرتي حكمكِ يا سيدتي ،غرقت ذاتي في بحرِ الدهشة وأخذتني رياح العجب الى ساحات الصراع حيثُ تمزقت مشاعري بمخالب احكامكِ الجائرة وتطايرت الى سماوات الأمان تختبئ بقطن السحاب الأبيض هرباً من سهام غدركِ وطعنات افترآتكِ الظالمة ،إغتسلت بمياه الغفران والمسامحة لعلّها تبرأ من جراحها وتُشفى من آلامها …لا ولن أقف في قفص الاتهام لأدافع عن نفسى وأدَّعي البرأة ولن أعترف بذنبٍ ما ارتكبته إلا بخيالكِ ، سأحرمكِ من لذةِ الانتقام وأترككِ في بحر الحيرة تتقاذفكِ أمواج الشكِّ لترسوا بكِ على شطآن أوهامك تستظلين بأشجار القلق تحت أغصان نبتت براعمها على ألفِ سؤالٍ وسؤال، تبداءُ معكِ كلما غفت عيناكِ بسؤالٍ بسيط ثم يتبعه آخر إلى ما لا نهاية : من أنتِ ؟ ما اسمكِ ؟ كم عمركِ ؟ تُجيبينَ مرغمةً مع كل سؤال حتى تفرغين من الأجوبة فيصيبكِ الأرق ويتملكُ بكِ الجنون ،تسألين نفسك وتتساءلين لعلك تحصلين على أجوبةٍ تعيدين بها التوازن إلى عقلك وإدراكك : أين نحنُ من العدلِ والعدالة لو ارتفعنا بأنفسنا على أجنحة الشك وعلى غفلةٍ من الحقيقة إلى ما فوق المنطق وتربعنا على عرش الحَكَمِ والحاكم ، اختصرنا دور المتهم والشاهد بأنفسنا وحجبنا آرائهم خلف ضباب اللامبالاة ،حللنا واستنتجنا وأصدرنا أحكاماً مبرمة بحقهم غير قابلة للأستئناف ؟ ثم تنظري فلا تسمعين سوى صدى صوتكِ يتردد في اعماق المجهول

لا تتعبي نفسكِ بالبحثِ عني بين أسطر كتاباتي ولا تحللي شخصيتي فأنا صدقاً لا أعرف ذاتي ولا تحاولي أن تغوصي بأعماقي ،أخشى عليكِ من الغرقِ لو تذوقتي من خمرة خواطري وقرأتي من غرائب فلسفاتي فأنا يا صغيرتي ثائرٌ ، متمردٌ ، مجنونٌ بطبعي أسكنُ ما بين نار حبكِ ونعيمِ جناتك ولكن لو وُجدَ من بين رجال الكون من يحبك أكثر مني يا أميرةَ قلبي وتوأم روحي ،سأغتالُ مشاعري على أقدامِ عرشكِ وأسحقُ قلبي تحت اقدام الخيبة والندم،كنتُ سأعتزلُ العشق والغرام وأنكرُ ذاتي أمام خالقها وتنفجر روجي قهرا وألماً وتضمحل من وجهِ الوجود تتطاير ذرات في فضاءٍ لامتناهٍ لأزمنةٍ لا تنتهي

لا شكَّ إنَّ الكِتابةَ عن الموت تتطلب الجرأة ولكن القرأة عن موضوع الموت قد يتطلب أكثر من الجرأة.ما سرُّ تلكَ الكلمة عندما تقع على مسامعنا نحن البشر تقشعرُّ لها أبداننا وترتعدُ فرائصنا من شدّةِ الخوف والهلع ، نجدُ أنفسنا عاجزين خاضعين وتظهر بمخيلتنا آلاف الوجوه لأشكالِ الموت وألوانه،نستذكره ونلمح خياله بجناحيه السوداوين يتوارى خلف أفق يشبه بألوانه ألوان الشمس عند ساعة الغسق خاطفاً منّا الأحباء والأصدقاء على غفلة من الزمن ثم يغيب ويختفي تحت ظلمة المجهول ليطلّ علينا مجدداً من خلف جبال الواقع الأليم يختار من حان أجله ويحمله إلى عالم المجهول في دوامةٍ لا تنتهي، فنستسلم أمام عظمته وجبروته نسترسل في بُكاءٍ عميق على أنفسنا وعلى من نُحب
ونرتمي بأحضانه هرباً وتحرراً من ذواتنا البشرية الضعيفة .أما أنا سأخبركم عن موتي عن تجربتي مع الموت . غلبتني مشاعر الخوف والقلق حينما سمعت من الطبيب عن سؤ حالي وانسداد شرياني ووجدت ذاتي البشرية مرميةٌ على طاولةٍ في غرفة العمليات الجراحية مغطَّاةٌ بشراشفٍ بيضاء تفوح منها رائحة لأدوية تعقيم لم أعرفها من قبل . على مقربةٍ مني كانت تقف إحدى الممرضات تعمل على تحضير ما يلزم من معدات طبيّة خاصة لعمليات القسطلة ، تخليتُ عن كبريائي وعن شخصيّة عنترة ، ترجلتُ عن صهوة حصاني العربي بعد أن نال مني الخوف ،نزعتُ عن وجهي قناع القسوة والامبالاة وخلعت عني رداء الشجاعة وقلتُ لها بصوت فيه من الأستعطاف والتمني ما يذيب قلب الحجر ، بالله عليكِ يا ملاكي ألا تتكرمي علي بحقنة من المهدىء تُبعد عني توتري وتُعيدني إلى ذاتي ؟ أبتسمت وقالت: لا تقلق يا سيدي لك ما تريد ، وتابعت مبتسمة، بالحقيقة كنتُ على وشك الأنتهاء من حقنها في الأنابيب المتصلة بإحدى عروقك فهي توازي ما لا يقل عن نصف زجاجةً من الويسكي الفاخر . ما أن مرت لحظات حتى وقعتُ تحت تأثير المخدر تلاشى توتري وهدأت ذاتي وبتُّ أرى أطباء الجراحة كأشباه ألآلهة يتمشون في أروقة المستشفى يصنعون المعجزات يستقرضون السنين من الخالق القدير ويضيفونها على أعمار مرضاهم أوقاتاً إضافية تُصرف على شراء السعادة والفرح. جلس الطبيب الجرّاح على كرسي خاص كان قد وُضعَ على جانبي الأيسر وبعد أن أدخل منظار خاص في شرياني الأساسي توقف لبرهةٍ وجحظت عيناه متأملاً في شاشة كبيرة يستطلع النتيجة ويحلل سبب الأنسداد محتارٌ بأمري كوني لا أدمن التدخين وأتَّبعُ نظام غذائي صحي ثم وقف وقال: إنَ أحد شرايينك قد تعرض للأنسداد بنسبة مئة بالمئة وهنالكَ شريانٌ آخر مسدود بنسبة سبعون بالمئة وسنعمل على معالجتهما في الحال واستدرك الحمد لله إننا استطعنا أن نكتشف الأمر قبل فوات الأوان لأنَّ حالتكَ نادرة وكان من الممكن أن تؤدي بكَ إلى موتٍ  مفاجيء لا سمحَ الله ثم تابعَ ولكن ما يحيرني حتى اللحظة أسباب الأنسداد وهو لا يدرك بأنَ أنواع الورود وأشكالها قد نبتت على آثار قدميكِ العاريتين حيث كنتِ ترقصين في مدخل شرياني يا اميرة قلبي حبي وسبب جنوني .أما عن الموت فإنَ بعدكِ عني كأنه موتي وقربكِ مني كأنه سنين إضافية في رحلةِ حياتي

لو رغبتي يا سيّدتي أن ترافقيني في رحلةٍ إلى عالمٍ مختلف ومميز ، عالمي الخاص على متنِ سفينةٍ بنيتُها من خشبِ أشجارِ الحب ونسجتُ أشرعتها على نولِ العلم والإيمان من خيوط العصيان والتمرد ، فما عليكِ سوى أن تجلسي في مقعدكِ المميز ولا حاجةً لكِ لأن تشدّي الأحزمة فأنتِ بأمان في عالمٍ أبعدُ من أن تطالكِ سهامُ الأذيَّةِ والإتهام ، سأرفعُ أشرعة خواطري على صواري الأحلام وأطيرُ بكِ إلى حيث لا تتوقعين.
هذا ماقالهُ لها في طريقِ العودة إلى عالم الواقع بعد أن رافقته على غفلةٍ من الزمن برحلة خارج أبعاد الكون والمجرات : لَا تتوقعي أَن تتفتحَ زُهُور الحُبّ الْحَقِيقِيِّ فِي حدائقِ مشاعركِ الرقيقةَ إنْ لَمْ تَكُن بَرِيئَةٌ وَصَادِقَةٌ وتفضحُ بِرَائِحَةِ عطرها الطَّاهِر آثَاماً وخطايا مِنْ سَبَقِهَا مَنْ زَيْفِ مَشَاعِرٍ وَشَهَوَاتٍ تَشَوَّهَت فِي نظراتِ وأفكار مِن التَقُوكِ مِن ذكورٍ لَيْسُوا رجالاً، وَمَا أَكْثَرُهُم . لَا تتأملي وَلَا تَنتَظري فَإِنَّ بَعْضَ الْفُصُول العاطفية قَدْ تَنْتَهِي قَبْلَ أَنْ تَبْدَأَ .ثم أضاف : لَا تقلقي مِنْ الْحَبِّ يَا صغيرتي فَإِن حِبِّي حلمٌ قَد يَتَلَاشَى فِي ايَّةِ لحظةٍ مَع بزوغِ فَجْر الْوَاقِع ، وَقَد يتبدد كَمَا تتبدد الغُيُوم الْبَيْضَاءُ مِنْ سماءِ رَبِيع آتٍ واستطردَ قائلاً : أَمَّا أَنَا يَا أميرتي ، قلقٌ عليكِ مِن ذَاتِيٌّ الثَّانِيَة ، أخافُ أَن تلامسَ يديكِ وتقبلَ وجنتيكِ أن تضم خصركِ الناحل أن تضجع بمضجعكِ الدافيء ، غَضِبَت منهُ بعد أن تَشَوَشَت أفكارها واستوقفت الزمن على حدودِ التمرد والأنصياع الأعمى ، قدمت له استقالتها على طبقٍ من الأوهامِ مُرَصّع بقوانينٍ وأنظمةٍ تشوَّهت على مر الزمن..أستوعَبَ الصدمةَ بصمتٍ وقَبِلَ استقالتها على الفور، وقَوُّلبَ قلبه المذبوحِ درعاً على قياس صدرها يحمي به قلبها الرقيق من سهامِ الغدر لمجتمعٍ ظالم
ما أن وصلوا إلى أرضِ الحقيقة وحطّت بهما المركبة في عالم الواقع سألَتهُ مُستهجنة : بالله عَليكْ، قُلّ لي ما الذي حصل؟ ماذا جرى كي تتخلى عنّي ما بين ساعة وأخرى؟ أبلحظةٍ تتغيرُ المشاعر وتتبدلُ المواقع في القلوب؟ ألم أكن حبيبتكَ ،ملهمتك، أميرة قلبك وطبيبة اخزانك! كيف لكَ أن تتخلّى عني وبهذه السرعة دون أي استفسارٍ او سؤال ! أتراك فقدت الجرأة واعتزلت القتال لأجلِ من تُحب! حتى إنك وقّعّتَ على استقالتي دون أن تنظر بعيني… هكذا قالت بنبرةٍ حزينة فيها ألفِ سؤال على شكلِ عتاب…حينها لم تَكُن تَعْلم أنها تذبح قلبهُ للمرةِ الثانية وتطعن مشاعرهُ بذات الخنجر وهي القاضي والجلاَّد…

هذا ما شاهدتهُ وما سمعتهُ من فَمِ مجنونٌ متيمٌ بحبِّ امرأةً شاءَ القدرُ أن يفرقهما وأصبحت حبيبته زوجة رجلاً آخر بحكم التقاليد لمجتمعاتٍ ظالمة، فنالَ منهُ الشوق وأضناهُ الحنين ،اتخذَ منَ الخمرةِ دواءً يُطفيءُ بها نار الشوق ويخففُ من شدّةِ الألمِ. هكذا عرفتهُ حينما سمعتُ صوتَهُ الصارخ بكلماتٍ ترددت أصداؤها حزناً وألماً في أعماقِ ذاتي…بعد أن أشار بأصبعه نحو تلكَ السيّدة الجميلة ، مشى إليها مترنحاً متعسراً بخطواته وكأنهُ يسعى جاهداً للوصولِ إلى أقدام الآلهة يستجدي منها الرأفةَ والغفران، ثُمَ صاحَ بها قائلاً بعد أن تجاهلته وتابعت سيرها لخطواتٍ قليلة مما استوقفها لاستدراك ما يحصل : يا امرأة،أنتِ يا امرأة أُكلمكِ أنتِ، نعم أنتِ يا من تشبهين حوريات الجنّة أكثر مما تشبهين بني البشر. أُكلمكِ أنتِ يا من تربَّعتي على عرشِ قلبي لسنواتٍ مضت ورقصتي عاريةً على بساطِ الحب والإغراء فأشعلتي بركان الشهواتِ في أعماقِ ذاتي وأيقظتي الصراع ما بين قلبي وعقلي حتى سقط إدراكي في بحرِ الجنون وغرقَ في اغوارِ الشكِ والشبهاتِ فقتلتُ نفسي وخسرتُ ذاتي، كم مرّةٍ أقولُ لكِ أُحبكِ ؟ كم مرة أقولُ لكِ أُحبكِ حتى تؤمنين بحبي فأتخلصُ من قلقي وتختفي آهاتي ! ألم تدركي بعد كم أحببتكِ! نعم أحببتكِ حتى الجنون وكفرتُ بجميع الأديان واتخذتُ من حُبكِ ديناً لي وعبدتكِ انتِ وحدَكِ دونَ سواكِ. أسألكِ للمرةِ الألف بماذا أخطأتُ بحق حبنا حتى أُعاقب بمثلِ هذا العقاب وأتجرعُ من كأسِ العذابِ والألمِ ،ألم تدركي بعد مدى وجعي وحجم معاناتي عندما أراكِ بمخيلتي بين يدي رجلاً غيري وكيفَ تنسحقُ مشاعري الرقيقةَ من شدّةِ الألمِ وتتطايرُ ذراتً في فضاءِ الغيرةِ والأنانية؟ يا من كنتِ زهرة الربيع بصحراءِ عمري ،أنتِ المرأةُ الوحيدة التي استحقّت أن أُناديها بأميرة قلبي عشقي وجنوني… قال هذا وسجدَ أمامها على ركبتيه يستعطفها ويتوسل رِضاها… في تلك اللحظة أحسست وكأن الزمن قد توقف لبرهةٍ ونظرتُ إلى وجهِ تلكَ السيّدة لألمح دمعةً تتدحرجُ على خدِّها ، أشحتُ بنظري عنها متجنباً إحراجها وسمعتُ أُناساً مِن حولي يتهامسون في ما بينهم بكلماتٍ ، دعوه وشأنهُ ، لا تهتموا (حكي مجنون)

لو أردّتُ أن أكتبَ بالأمسِ عنكِ وعني لقلتُ (نحنُ) أما اليوم سأقول انتِ وأنا…! حينَ دخلنَ ملائكة الحب إلى قلبي ونادينَ بأسمكِ لم يسمعنَ سوى صدى أصواتهنَّ تترددُ في فراغِ مشاعري اللامتناهية. فأين نحنُ اليوم من عالمِ الحب يا سيّدتي ،وأينَ هو منا..؟ وهل لعالم الحب وجود أم انه مجرد أوهام..! أتكون قد رست مراكب حبنا على شواطئ جزر الأوهام وعشنا أنتِ وأنا في عالم الكذب والأحلام ؟ ،قد نكون مجرد مجنونين أحمقين اختلطت علينا مشاعرنا وانجرفنا معها إلى ما نصبوا اليه ونحلم به علَّنا نستطيع أن نستعيد ما خسرناه بالماضي من ذاكرة الزمن وإصلاح قلوب قد تحطمت او نبلسم جراح قد تفتقت..! حتماً أنتِ وأنا يا سيدتي من عالمين مختلفين، قد نتشابه في صفاتٍ معينة ونختلف بأخرى. ظننتُ لفترةٍ بأنكِ من عالمي عالم التمرد والعصيان عالم الجنون . لمستكِ، عانقتكِ وسكرتُ من رائحةِ عطركِ بعد أن استنشقته من حدائق جنَّاتكِ وعن سهولِ وهضابِ جسدكِ الآسر… خُيِّلَ إلي لبرهةٍ بانكِ تنحدرين من عائلة الحوريات وتنتمين إلى عالم الجنِّ حيث لذاتي الثانية من الحورياتِ وملكاتِ الجنِّ ما يكفي لاسترضائها في الاوقات الحرجة وبلسمت جراحها من طعنان الغدر والنسيان … ها انتِ اليوم يا سيدتي تعودين من عالمي الخاص إلى ارضِ الواقع عالمكِ انتِ، تخلعينَ عنكِ ثوبَ الحورية البرَّاق وتستبدلينه بعبأة الخضوع والاستلام تقصّينَ ضفائر جدائلها الذهبية بمقص المزاجية وتسرِّحينَ ما تبقَّى من شعركِ بمشط الحيرة ، اراكِ تغتسلينَ من عطرها الآسر بمياه بئرٍ قد تعكَّرَ صفوها بتربة الشكِّ. لماذا تبدلين لونَ عينيكِ بألوانٍ تشبهُ بألوانها عيون البشر.. ؟ اتراكِ قد تعبتي مني ومن لَعِبِ دورَ الحورية ونالَ منكِ الضجر..؟ افهمكِ واعرفُ تمام المعرفة سبب تعبكِ من عالمي الخاص من حبّي ، عشقي وجنوني ، فأنتِ يا سيّدتي لستِ بحوريةٍ ، أنتِ بتأكيد من بني البشر…!

ليسَ مِن عاداتي ولا من شيمي أن اراقبَ الناس، ولكن لفتتني إحدى السيدات بينما كنتُ أنتظرُ دوري في إحدى الدوائر الرسمية لأنجازِ بعض المعاملاتِ الادارية ، كانت تتمشى ذهاباً واياباً بخطواتٍ انيقةٍ، يتدفقُ على كتفيها شعرها الكثيفُ الاسود كأنهُ شلالاٌ من الأغواءِ والاغراءِْ… تحملُ بين يديها قلماً ودفتراً كانت تدوُّنُ عليه كلمات وخواطر تراودها بين الفينةِ والأخرى. ثمَ غادرتْ مسرعةً على حينِ غرة عند مناداتها لأنجاز معاملتها وتركت بجانبي ما كانت تحملُ من اوراقٍ بعد أن استأذنتني… التفتُ إلى تلكََ الاوراق التي وُضعتْ إلى جانبي مكشوفةً بعد أن راودتني مشاعرُ الفضولِ والأحراج وما أن وقع نظري على تلك الرسالة حتى عجزت عن منع نفسي من قرأتها كُتبَ عليها التالي:
إلى حبيبي الغالي
قُبيلَ موعد ارتباطنا بأيامٍ قليلة لا بُدَ لي أن اصارحكَ بعدَ أن خَيرتني ما بين الحياة الزوجية ووظيفتي في خدمة المصلحة العامة..
لا شكَ أنَ مدرستي الأولى زرعتْ بفكري براعم العلمِ والمعرفةْ ونثرتْ بقلبي بذورَ الأيمانِ والمحبةْ ، كلُّ صفحةٍ قرأتها في بحرِ العلمِ والثقافة كانت مدماكاً لبناءِ منصةٍ انطلقتُ منها الى عالمِ الواقعِ والتحدّي…حيثُ مشيتُ على خُطىَ من سبقني من روُّادِ الفكرِ وعشّاق التطور وما أكثرهم في ارضِنا مقلعُ العباقرةِ والأنبياء ، ثمَ ارتشفتُ من نبعِ الثقافةِ والأنفتاح ما يكفي كي لا أغرق في مستنقعِ الجهلِ والتقوقع… نذرتُ نفسي لخدمةِ المجتع بما أملك من قدراتٍ وخبراتٍ متواضعة وما زلتُ حتى اليوم أقرأ في وجوهِ من أقابلهم وأتعلم من آثار ما تركت تجاربهم في غِمارِ الحياة الصعبة .
أخشى اليوم أن أقرأ في ملامح وجهك ما يمنعني عن تحقيق حلمي وتطوير ذاتي….
التوقيع : المرأة المتحررة

ما زالا وعيِّ وإدراكي عاجزان أمامَ جنوني ،جنوني بكِ يا سيّدتي ،فقد أدمنت حبكِ وعشقتُ عطركِ ولون عيناكِ، ولكن للحق والأمانة فقدحَذَرَتني مِن الأدمانِ وَكَأَنَّهَا خمرٌ معتقٌ فِي أوانِ ،واستهجنت حبي واستضعفت قلبي .
حذرتني من الغرق في أسرار بحارها وكأنني مَا زلتُ فِي الحبِ غراً لَا أفقهُ الغوصَ وَلَا أعرفُ الطيرانِ! ولكن إنْ كُنْت لَا أُحبُكِ ، لِمَاذَا تسكُنينَ فِي قَلْبِي وتملئين حَيَاتِي ؟ .
إنْ كُنْت لَا اشتاقُ اليكِ ، لِمَاذَا حِينَمَا نَلْتَقِي أضمكِ إلَى صَدْرِي وأقبلُ شفتيكِ ؟
إنْ كُنْت لَا أَهْتَمُّ لكِ ، لِمَاذَا أغارُ منَ النسماتِ لَو داعبتْ شعركِ ولمستْ خديكِ ؟.
حسناً ، أُحبكِ، وَلَكِنْ لَوْ عُدنا بالزمنِ للحظاتٍ قبلَ أَن القاكِ لِمَا تجرأت على لمسِ يداكِ وَلَا نظرتُ بعينيكِ ، لأنني انخطفتُ بحبكِ من عالم الواقع إلى عالم يشبهُ الجنون يتأرجح ما بين الجنة والنار، فأنا يا سيدتي تاءهٌ في بحر حبكِ عاجز عن السباحة والإبحار فأنا مجردُ مجنونٌ التقى بكِ انسحر بجمالكِ وانخطف بلونِ عيناكِ

 

ُأحبكِ حتى الجنونْ واشتاقُ اليكٍ…
في كلٍ ليلةٍ القاكِِ بحُلمٍ جميل آخذكِ بينً زراعي أضمكِ إلى صدري، أداعبُ بأناملي الدافئة شعركِ المتماوج بألوان الإغراء ،أذوبُ برائحةِ عطركِ الساحر وأضيعُ كطفلٍ بينَ تفاصيلَ جسدكِ الآسر ، أرتشفُ من رحيقِ شفتيكِ حتى الثمالة ، أتفحصُ ملامسََ وجهكِ الملائكي وأغوصُ في بحرِ عينيك الملونة لأكتشافَ سرَّهما وسحرهما ،أعودُ لأستيقظ على واقعٍ مرير يمنعني من لمسِِ يديكِ وتقبيل وجنتيكِ..يا أرقَّ واحبَّ النساءِ الى قلبي يا أطيبَ القلوبِ وارهف المشاعر… . لو قُدّرَ لي ان أعودَ بالزمانِ لسنواتٍ مضت لما اخترتُ غيركِ رفيقةَ دربي واميرةَ قلبي، حبيبتي، عشيقتي وملهمتي… ولكن…. كيف لي أن أحلمَ بذلك وأنتِ اليومَ وغدا والى آخر نفسٍ في حياتي أميرتي، حبيبتي، صغيرتي وملهمتي… أحبكِ حتى يعجز الحب عن إرضائي

قرّرَ رجلاً غنياً من أصحابِ الشركاتِ الكبيرة أن يُعطي لنفسهُ يومَ اجازةٍ بعد ان سَبَقتهُ السنين ونالَ منه التعبْ، فقصدَ احد الشواطئ النائية طلباً للعزلةِ وهرباً من صَخبِ الحياة. وبعد ان جلسَ متظللاً بما يشبهُ المغارةَ… لاحظَ قاربَ صيدٍ خفيف متوجهاً نحو الشاطئ على مَقربةٍ منهُ ، ما لبسَ ان رَسا في خليجٍ صغير كأنه ميناء نَحتتهُ الأمواجُ مع مرورِ الزمن … على مقربةٍ من الشاطئ استصْلَحَ الصيادُ مساحةً بسيطة من الأرضِِ بعد ان نزلَ من قاربهِ حاملاً معهُ سلةٌ ممتلئة بانواعِ السمكِ الطازجْ، ثم باشرَ بأشعالِ النارِ بما تَيَسّرْ من عِيدانِ الحَطبِ كانتْ قد لَفَظتها الأمواجُ بليالٍ مُقمِرةْ… بينما كانت النارُ مشتعلةْ كانَ الصيادُ يعملُ بالتوازي على تنظيفِ السمكِ في بركةِ مياهٍ ضحلةْ بانتظارِ ان يتحولَ اللهبُ إلى جمرٍ يَصلُحُ لشواءِ ما تم اصطياده …َ اجتاحتْ نسماتُ البحرِ الناعمةْ مقرَّ رجلِ الأعمال حاملةً في طيّاتها رائحةَ السمكِ المشوي فايقظتْ شهيّتهُ ليتناولَ بعضاً منهُ وما بينَ رغبَتهِ بتذوّقِ السمكِ وحشريتَهُ ، ما وجدَ نفسهُ الا واقفاً بالقربِ من الصيّادِ يلقي عليه التحيّةَ ويتوددُ اليهِ بكلماتِ المديح والإعجاب … فطلبَ منهُ الصيادُ وتمنّى عليه ان يُجالِسهُ ويشاركهُ طعامهُ…وبعد ان دَارَ حديثٌ قصيرٌ بينهما، قال الرجل: يبدو جليّاً بأنك تَستَمتعْ بما تقومُ به ،موجِّهاً كلامَهُ للصيادْ. اجابَهُ الصيادُ مبتسماً : لستُ مستمتعاً بل أشعرُ بالسعادةْ.
الرجل: حسناً، أخبرني ما الفرقُ ما بينَ المتعةِ والسعادةْ! ؟؟…
الصياد : المتعةُ يا سيِّدي ملمُوسةٌ ومرئيِّةٌ ، شعورٌ مؤقتْ ، كما وانها تحتاجُ الى موادٍ لتتحقق، تزولْ حينما تنتفي الأسبابْ ويعود الشخص إلى حالتهُ النفسيّة السابقة… بامكانك ان تستمتع بما تأكُلهُ او بسيارة جديدة او بصفقة تجاريّة مربحة…
اما السعادة هي حالة نفسيّة ثابتة تنمو ضمنَ ظروفٍ اجتماعيّة وعائليّة خاصّة وبانجازاتٍ فيها من العطاءِ المجَّاني لا يحدُّها مكانٌ او زمانْ، السعادة احساسٌ غير مادِّي وغير ملموس تُبذلُ بالعطاء والتضحية راسخة بالنفوس كالايمان… لا شكَ ان المال حاجة ضرورية لِنَستَمتعْ بالحياة لٍفتراتٍ محدودةٍ وبأشياءٍ مُحدَدةْ ، أمَّا السعادةْ لا تُشتَرى بالمال. لو أردّتَ ان تكونَ سعيداً لا تَكُنْ سطحياً وتتلهّى بالقشورِ بل غِصّ إلى الاعماقِ حيثُ تجد السعادة واسرارها… اندهشَ الرجل بما أجادَ الصيادُ من شرحٍ مستفيضٍ ومعلوماتٍ هامّة، وسألهُ مستغرباً : كيفَ لكَ ان تَمتلكْ هذا الكمّ من المعلوماتِ والخبرة والاسلوب.! أليّستْ حرفةُ الصيدِ مهنةٌ لك؟ الصيّاد: لا يا سيدي في الحقيقة ومع كلِ احترامي لكَ ولاصدقائي الصيادين . انا دكتور متخصص بعلم النفس اعمل على أبحاثٍ ودراساتٍ عن الفروقات بالمستوى المادّي بين الشُعوب وتأثيره على المجتمع…😂😂😂