قالت لي لنشرب من عصارة الكرمة المحرمة علّنا نسكر ونرتقي بذواتنا إلى مستوى آلهة الحب حيث لا تطالنا سهام الغدر والنميمة…سجدتُ أمامها وسكبتُ الخمرة من خوابي حبي المعتقة بأقبية مشاعري اللامتناهية في كأسها المرصّع بقطعٍ وأجزاءٍ من بقايا قلبٍ تحطم على أقدامِ عرشها علّها تنخطف ولو للحظات من عالم الواقع فأسرق القبلات عن اطراف عنقها العاجي على غفلةٍ منها وأحرق بشفاهي الملتهبة ما أحرق قلبي من تضاريس جسدها الآسر، وما أن شربت من كأسها حتى سكرت الخمرة من رحيقِ شفتيها وغفى الزمن كطفلٍ رضيع على صدرها مستمتعاً بدفيءِ حضنها وحنان نهديها ،
حينما اعلنتُ جهراً وعلى الملأ بأنكِ حبيبتي اجتاحت أمواج الغيرة شطآن القدر فبنى حاجزاً ما بيني وبينكِ وارتفع به بمداميك نُحتت حجارتها وبُنيت بقوانين المجتمعاتٍ الظالمة وسُدت منافذه بالمعتقدات الخاطئة والأحكام الجائرة فتحول سداً منيعاً، ووجدتُ نفسي عاجزاً مكبلاً واستحال الوصول اليكِ ،فأرسلتُ بذاتي الثانية مضحياً بها على مذبح إله الحب استعينُ بهِ ليجدَ لي حلاً فرمى عليكِ برداءِ السحر وحولكِ إلى حلمٍ جميلٍ ثم أهداني إياكِ على طبقٍ مزين بأزهارٍ ملونة من حدائق الجنة ،ولأن ما من إنسان يتحدَّى القدر تعذر علي أن اغوص بأعماقِ ذلكَ الحلم الجميل وسبور اغواره بعد ان هجرتني قسراً واضناني الضجر فاخذتي معكِ النوم من بين جفوني فخسركِ قلبي أميرةً وضاع الحلم من عمقِ عيوني
كانت خطواتي خفيفة بعد ان ترجلتُ من السيارةِ كأنني اسيرُ على سحابةٍ من القطنِ الأبيضْ، كان سكونٌ عميق يلّفُ المكان تشٌكُ للحظةٍ بأنك أصَّم ، سرتُ في ذلكَ الطريقِ مسلوب الارادة منجذباً نحو المجهول على أثرِ خُطى اقدامٍ عارية سبقتني بوقتٍ وجيز، كان هناكَ آثارُ اثلامٍ عريضة لاثقالٍ تم سحبها للأعلى على نفنافٍ ابيض ،،، آثارٌ تراءت لي وكأنها أثقالُ خطايا لإنسانٍ يسحبها خلفه جاهدا للوصول إلى أرض الخلاص،،،
اقشعّرَ بدني لنسمةٍ باردةٍ واخذتني الدهشةُ حينما وجدتُ نفسي اسيرُ عاري القدمين برداءٍ ابيضٍ فضفاضْ… خارتْ قواي، اخذَ مني التعب وبتُّ اسعَى جاهداً لألتقطُ انفاسي… اختلطتْ علي مشاعري ما بين الخوف والشجاعة ، الصبر والإيمان وغصَّتْ افكاري بسيلٍ من الأسئلة : اين انا… ماذا أصابني؟ هل انا حيّ ام ميت ؟ هل انا روحٌ متألمة تسير من غير هُدى على طريق المطهر ؟
اسئلةٌ كثيرةٌ راودت افكاري على حدودِ الحقيقةِ والخيال،
ترامتْ على مسامعي ترانيمٌ ملائكية وصدى لصلواتِ المسبحةِ رافقتني برحلتي حتى وصلت إلى ارضٍ تشبه بملامحها ارض الجنَّة، اسوارها مشبوكةٌ بانواعِ الوردِ والوانه وأشكاله، حرَّاسها اسرابٌ من الحمامِ الأبيضِ الملائكي، تتفجرُ في ظلِّ أشجارها الشامخة ينابيع مياهٍ دافئة من بين صخورٍ منحوتٌ بأيدي الخالق، هجرني التعب، تخلصتُ من قلقي وشعرتُ بارتياحٍ كبير وانا جالسٌ على ضفافِ ينابيع السلام والمحبة. واذ يُدهشني حضور امرأةٍ بجمالها الفاتن، عطرها الساحر،تتمايل بشعرها الذهبي المتطاير على كتفيها وبريق عيناها الدافئتين الساحرتين بألوان تشبهُ بألوانها عيون حوريات الجنة.. عجباً انها أميرتي، نعم تلك الاميرة التي تسكن في عقلي وقلبي وخيالي رافقتني منذ طفولتي وانا على مقعد الدراسة، كنتُ ارسمها بخيالي بفستانها الحرير المرصَّع واعيد تلوينه اكثر من مرّة ليتناسب مع ذوقها وجمالها، كانت تسحرني برقصاتها وتاخذ الكثير من حِصص الدراسة.. وقفت على الفور من شدة دهشتي وقلت لها :
تعالي يا صغيرتي، دعيني اضمكِ إلى صدري واطيرُ بكِ إلى ارضِ الجنّة حيث لا احتاجُ سوى لحُبكِ وحنانكِ غذاءً لروحي وبلسماً لجراحي، انتِ يا أميرتي حبيبي ، ملهمتي وطبيبة اخزاني
اجابتني ببسمتها المعهودة وصوتها الدافئ : اطمئن يا حبيبي ها نحن في الجنَّةْ…
سمعتُ بصغري من فَمِ عَجُوزٌ شَمْطأُ وبصوتِها المُتَقَطِّع المُرتجف عَن مكانٍ غريبٍ يُجاورُ مقابرَ الْقَرْيَة وكانت تلكَ العجوز تُخيف الصِغار والكبار من صدقِ توقعاتها ونبؤاتها… على ذمّةِ العجوز : 😅 قِيلَ أَن هنالكَ مَقْعَدٌ صَخْرِيٌّ قَدِيمْ يشبهُِ الْعَرْشَ تَرَبَّع تَحْتَ ظلالِ أشجارِ السَّرْو والسنديان المعروفين بحُرَّاسِ الْمَقَابِر الْعَتِيقَة،… مقعدٌ منحوتٌ عَلَى أيدِ أَحَد الرهبانِ الْأَتْقِيَاء مُنْذُ سَنَواتٍ مَضَت بأزميلٍ مِن عِظامِ الْمَوْتَى.. نُحِتَ فِي ظُلْمَةِ الليالِ الحالكة وبغيابِ نُورِ القمرِ ، وكانت الغربان السود تأتيه بحبات التوت والتين يسد بها جوعه طوال تلك الفترة، وكانَ كُلَّمَا جلسَ عَلَيْه تأملَ تلكَ المدافن وناجىَ الْأَرْوَاح ،فتلبِّي دَعْوَتَه وَتُصْبِحُ حَاضِرَة بَيْنَ يَدَيْهِ تجالسه تحتَ ظلالِ الأشجار تحادثه وتُجِيبهُ عَن الفِ سؤالٍ وَسُؤَال وتُخبرهُ عَن اسرارِ الْعَالِم الْمَجْهُول.. . وَبَعْدَ أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ وَأَسْكَنَهُ جنَّاته ، جَرَت الْعَادَةُ مَعَ أَهْلِ سكَّانِ الْقَرْيَةِ أنْ يَجْلِسُوا عَلَى ذلكََ الْمَقْعَد الصخريّ فِي الليالِ الْمُظْلِمَة يناجو أَرْوَاحَ مَنْ فَقَدُوا مِن احباء لملاقاتهم فِي حديثِ عتابٍ أَو بعناقٍ حَمِيم …. وَأَنَا بدوري أيضاً وبعد ان كبرت ذَهَبَت كَمَا أَهْلِ الْقَرْيَةِ ذات ليلة إلَى ذَلِكَ الْمَقْعَد الصخري لأجلسَ عليه وأُناجي مَنْ فَقَدَتُ مِن احباء ، اتامل وَانْتَظَر بِفَارِغِ الصَّبْرِ لملاقاتهم ، وَقَد ذُهلتُ وتفاجأت عِنْدَمَا وَصَلتُ إلَى مَقْصِدِي بوُجِودِ ذَاتِيٌّ الثَّانِيَة متقوقعة دَاخِلٌ ذَلِكَ الْعَرْشُ تَنَاجِي رُوحِي وتنتظر لقياها ، تَقَدَّمتُ إلَيْهَا رويداً رويداً وعانقتُها بَعْدَ أَنْ مَسَحَتَ عَلَامَات الدهشةِ عَن مَلامِح وَجْهِي وقد اكملت بذلكَ مشهد الرواية..!
كنتُ على وشكِ الأنتهاء من انجازِ بعض الأعمال الفنّية البسيطة للانترنت عندما بادرتني قائلة : سنشربُ القهوة. ؟ وكان وقعُ الكلام بصِيغة العلم والحب أكثر مما هو بصِيغة السؤال، فأومأتُ براسي إيجاباً : نعم ، لو سمحتي يا سيدتي… في الحال نادتْ على إحدى الخادمات لإجراء ما يلزم وتقدّمتني بخطواتٍ أنيقة نحو الحديقة الخارجية ،كان يتبعنا كلبٌ متوسط الحجم إستقبلني حينما ترجلتُ من السيارة ، وكان واضحاً من نظافةِ وبره مستوى الإهتمام الذي لاقاه من قِبل من يعتني به، بدت علامات الذكاء والتنبه واضحتين على وجهه انه من فصيلة الراعي الألماني … انها انثى واسمها غايا هكذا علمتُ من سيّدة المنزل عندما جلسنا على تلك المقاعد وسط الحديقة تحت اشعّة الشمس ، وكان يفصل ما بيننا طاولة من الخشب وُضعَ عليها ما يطيبُ مع فنجانِ القهوة، يحيط بنا انواع من الورد والازهار الملونة. كانت غايا محور الحديث وكانت قد جلسَتْ بالقربِ منا تترقّب حركاتي وتُدقق بنبرات صوتي، وكنتُ انا بدوري اتأمل تلك السيّدة وهي في قمةِ الجمال والتألق والنضوج، كانت اشعّة الشمس تنسابُ خيوطاً ذهبية بين خصلاتِ شعرها الاشقر لتزيدُ على تألقها سحرا وجمالاً . كانَ في دفئُ صوتها وعذوبته شيءٌ من الحزن يدفعني للاستماع إليها ويمنع عني الكلام… شربتُ فنجان القهوة وسكرتُ من رائحةِ عطرها المستورد ، ونظراً لمعرفتي المستجدّة بها وحرصاً مني على عدم ازعاجها شكرتها على حسن الضيافة واستأذنتُ مغادراً ….
لأنكِ امرأةٌ إستثنائية ولا تُشبهينَ أيًّ من نساءِ الكونِ ولأنني محتارٌ بكِ أراكِ تتربعينَ على عرشكِ المزخرف بأبياتِ الشعر هنالكَ ما بينَ عالم البشر وجنات الآلهة، تتوهمين بأنَ حمائم العفةِ والطهارة تستطيع أن تحميكِ من غاراتِ صقورِ الشهواتِ والاغراءِ ،فإن كتاباتي لكِ لا تتشابه أيضاً مع الخواطر والكتابات التي تُكتب لبني البشر أنما هي أقربُ للصلاةِ منها إلى الخواطرِ والغزل , يا اميرة قلبي ، مولاتي وسبب جنوني فأنتِ اليوم بأمسِّ الحاجة إلى صلواتي ،صبري وسلواني لأن حمائم العفة والطهارة لن تستطيع أن تحميكِ من صقورِ عشقي وجنوني .
قالت لي صغيرتي ما اهتزَ إيماني ولا جرأتي ولو بقيدِ أُنملة من زلازلِ الدنيا مجتمعةً وما همني لو تحركت صفائح الأرض أو اندسرت أو تفككت فإنَّ مسكني وملجئي في رحمِ حبكَ وإن ذاتي وذاتكَ في روحٍ واحدة كأن شيئاً لو اصابكَ اصابني حتى كأنَّ الموتَ لو أتاكَ أتاني .فقلتُ لها ما زاد إيماني باللهِ سوى حبكِ فاطمئنّي يا توأمَ روحي كلانا نسكنُ في قلب المخلص ربنا وإلهنا سرُّ الحياة الأبدية فلا تقلقي ولا تجزعي فلن ندخل الحياة الابدية إلا من بابِ الموت المحتوم
كنتُ لا ازالُ متمسكاً بأطرافِ ثوبِها عندَما انزلقَ من بينِ اناملي الرقيقةْ وخطوتُ خطوتي الأولى نحوَ عالمٍ جديد ، عالمٌ يحكمهُ القوي ويديرهُ المنافق، كنتُ حِينَها لا ازالُ طفلاً صغيراً أستمدُ من أمي القوةَ وتعطيني بدورها الدِفئ والحنان .تعرفتُ على مشاعرٍ القلقِ والخوفْ(سرُّ النجاح) للمرةِ الأولى عندما دخلتُ في يومي الأول إلى المدرسةِ . رافقتني تلك المشاعر حتى بلغتُ سنَّ المراهقةْ واكتسبتُ من التجاربِ ما يكفيني لأتمتع بثقةِ النفس وقوةِ الشخصية لمواجهة المشاكل وتجنبها في الحياة اليومية ثم عاودتني تلك المشاعر عندما دخلتُ إلى معتركِ الحياة في مطلعِ الشباب لأعمل في الشأنِ العام حيثُ نواجه من الصعابِ والتجاربِ والألم ما يجعلُ منّا رجالأ أشداء نصلحُ لأن نكونَ مداميكاً لبناءِ وطنٍ يليق بالأنسان وما زالت تلكَ المشاعر ترافقني حتى اللحظة .!
إن الروح البشرية تولد صفحة بيضاء حرَّة كأحلامِ الطفولة، في مجتمعاتٍ مختلفة تتأثر بصدى عاداتها وتقاليدها وتعلق بدوامتها وما تلبس أن تتحول تلك الأصداء إلى إيحاءآت تأسر عقولنا بمعتقدات قد تكون خاطئة ونجد انفسنا مكبلين بقيود نسجت من خيوط الجهل والأوهام تنطبع بها شخصيتنا على تلك الصفحة البيضاء نلونها بعواطف ومشاعر تختلف عن بعضها إختلاف فصول الطبيعة لتتشكل لوحةً تشبهُ ذواتنا المتعددة المتناقضة . وهنالك ايضاً أرواح حرَّة تتمرد على القاعدة تكسر قيود تلك المجتمعات الضيقة بجرأتها وتنطلق في سماءِ الحرية ثم تتلاقى من دون موعد وفي أماكن غير محددة لتشكل مجتمعات حرَّة تشبهها تنطلق بها نحو التطور والتغيير … فأين نحن من تلك المجتمعات. ؟
بالأمسِ البعيد سمعتُ بأنَّ الجنة تقعُ تحت أقدامِ الأمهات ، ولأنني يتيمُ الأم منذُ صِغري وجدتني هائماً على وجهي تائهاً ما بين أصناف البشرِ أبحثُ عمن يكفكف دمعي عن خدي ويخفف من هولِ الألمِ ويبعد عني أحزاني .هزل جسمي وتعبت روحي من شدة الألم حتى فقدتُ صبري وضاعَ مني إيماني فتقاذفتني رياحُ القدر ووجدتُ نفسي غارقأ في بحرِ حُبكِ يا صغيرتي وكأن الله يكافئني ويبعدُ عني احزاني ولكن سرعان ما اكتشفت ذاتي بأنَها أسيرةً تتأرجحُ حزناً وفرحاً ، على أرجوحةِ مزاجيتكِ طوراً في حدائقِ جناتك وتارةً في آتونٍ من نارِ