وكأنها تسقيني من نبيذ حضورها جرعات عشقٍ لا تُروى،
ثم تُغرقني في غيابها كمن يُلقي بي في بحر بلا شاطئ…
فأشتاق لسوطها كما يشتاق المتيم لعقابه،
وأهيم في تناقضها كأن قلبي وُلد ليُجلد بلذّتها،
هي الجرح والبلسم،
هي العاصفة والسكينة،
هي النار التي كلما أحرقتني… ازددت عشقًا لها.

ويا لها من مفارقة موجعة…
تمنحك من الحنان ما يُنعش روحك، ثم تتركك بعده في صقيع الغياب، كأنك تتقلّب بين جنةٍ وجحيم، وكلاهما منها. مسكينٌ أنتَ لو كنت تعشق من تشبه حبيبتي…
هي ليست كأي امرأة… بل كالفصل الخامس الذي لا يعترف بقوانين الطبيعة، يأتيك حين يشاء ويرحل كما يشاء، يحييك بكلمة، ويطفئك بنظرة.
ومع كل هذا… ما زلت تهواها، وما زال قلبك يبرّر لها الغياب، فقط لأنها “هي”.

مُحتارٌ بأمري…
إن تركني العشق، متُّ قهرًا،
وإن هجرتُه، ماتَ شوقًا على فُراقي.
كأننا نُحيي بعضَنا رغم كل هذا البُعد،
نعيش على نبضِ ذكرى،
وعلى أملِ لقاءٍ قد لا يأتي.

هو لا يُفارقني، يسكنُ نبضي،
وكلما حاولتُ النسيان،
عانقتني الذكرى بلهفة،
كأنها تخشى عليّ من الفقد أكثر من خوفي أنا.

فهل أنا العاشقُ الأسير،
أم أنني السجّان في حكايةِ عشقٍ لا موتَ فيها…
إلا حين نُفترق؟

لا تغيبي عني يا أميرتي،
ولا تختبئي خلف ضباب الحيرة والنكران،
فقد فتكتِ بي بسيف الشك والأتهام،
وتركتِ قلبي معلّقاً على أسوار الحنين ، مصلوباً على خشبة الخلاص

اليوم، يا صغيرتي،
سأرمي كبريائي على أرصفة الزمن،
وأترجّل عن حصاني العربي،
أخلع عني رداء الفروسية،
وأسلّم رمحي وسيفي لسلطان عينيك.

اليوم، يا حبيبتي،
سأتخلى عن جرأتي،
وأتشبّث بخوفي،
علّه يمنعني من وداعك.

سأرتمي عند قدميك،
خاضعاً، خانعاً،
أتوسّل البقاء،
أتشبّث بكل خيطٍ من نورك.

لكن…
إن حزمتِ قرارك بالرحيل،
فاحتفظي بما تبقّى من خيالي،
تذكّري ملامح وجهي،
واحتضني عطر أنفاسي،
وأنشدي ما كتبتُ لكِ من خواطر،
فهي ترانيم قلبٍ أحبّكِ بصدقٍ نادر.

وبالله عليكِ…
إن قررتِ الرحيل،
فأطلقي سراح قلبي،
فلا حياة لي بعدك،
ولا نبض في صدري من دونك.

ما أغربني حين أشكو من ألمٍ أجد فيه لذّتي، وما أتعسني حين أتمنى عودتكِ، لتسكني قلبي من جديد، وتشعلي حربًا ما زلتُ أكنس رماد جمرها بيديّ العاريتين.
سؤالٌ يراودني: هل عدتِ لتسكني قلبي من جديد؟
هل أتيتِ لترمّمي ما خلّفته تلك الحرب من شروخٍ وجراح، بعدما أشعلت نيران الغيرة أركان حبّنا، وقضت على مضجعنا الدافئ؟
منذ أن عادت الخواطر تتمايل فوق هضاب أفكاري، كأنها أسراب من الحمام الزاجل، تحمل معها شتى أنواع المشاعر وأصدقها…
أسأل نفسي، وأسألكِ:
هل عدتِ لتشعلي نار الحرب من جديد؟
أم لتتأكدي أن حبنا، كما أخبرتكِ يومًا، لا يموت…
وأنه سينتفض بجناحيكِ من تحت الرماد، كطائر الفينيق؟

وكأنّ عدوى النضوج أصابتكِ يا حبيبتي، فغدوتِ تفهمين الأمور بمفهومي، وتحلّلينها في مختبراتِ عقلي، وتنطقين بها بنبراتِ صوتي، وتقرئين وجوه من حولكِ بكتاباتي… وكأنّ حبي صقلكِ، فحوّلكِ من امرأة استثنائية إلى مزيجٍ آسر من النضج، والحزن، والمشاعر اللامتناهية… يُسكب في كؤوس القدر ليُقدَّم في أعراس الآلهة… آلهة الحب، يا أميرتي

تحملُ أحلامُنا الجميلة أرواحَنا، وعلى غفلةٍ منّا، تمضي بها على أجنحةِ الملائكة،
تُحلّق بنا في فضاءِ السماواتِ اللامتناهية،
تُسكرنا من كؤوسِ الأوهام، فنغفو على وسادةِ السعادةِ والطمأنينة،
لنصحو من جديدٍ على واقعٍ أليم… حيث دنيا البشر .
هكذا أنتِ يا حبيبتي…
تشبهين الأحلامَ الجميلة:
تزورينني بلا موعد،
تُشعلين في قلبي الدفءَ ثم ترحلين،
فتتركي الروح مُعلّقة بين الحلمِ واليقظة،
وكأنَّ القدر يضع بيننا
دربٌ من الوهم… لا يُفضي إلى اللقاء أبداً .

**عندما تنضج أفكارنا تحت شمس تجارب العمر، وتلامس ثمار مشاعرنا حدود تشرين…
عندما يجتاح الشيبُ برداءه الأبيض سنوات العمر، ممتطياً صهواتِ التجارب والمحن، ويُسقط أسوار نضارة الشباب، رافعًا راياته معلنًا سيطرته على العرش…
عندما يرفض القلب ويتمرد على حكم القدر، ويبقى عالقًا في عمر العشرين، يلهو في حدائق جنّاتك يا أميرتي…
عندها فقط، أستيقظ مع كل صباح على حوارٍ عقيم بين قلبي وعقلي،
  يتحوّل إلى صراعٍ أليم أخشى أن أبوح بأسراره،
عندما يرفض القلب الاستسلام لنصائح العقل والانصياع لأحكام المحتل.فالقلب يأبى الاستسلام،
والعقل لا يتوقف عن التذكير بأن المحتلّ، هذه المرة، هو الزمن. ..وحدها نظرتك يا صغيرتي تعلنُ الهدنة أو تشعلُ الحرب من جديد

ما لو قلتُ
بأنّ عينيَّ تعشقُ رؤياكِ،
وبأنّ أذنيَّ تطربُ لأنغامِ ضحكاتكِ،
يا أميرةَ قلبي، وسُكْنَ أحلامي؟
أكنتِ ستبتسمين خجلاً؟
أم تلوذين بصمتٍ يزيدني عشقاً؟

أما زاد صمتكِ يا سيدتي
إلا جنوناً فوق جنوني؟!
ألم يكفني ما أعانيه من لوعةِ العشق
منذ عرفتكِ؟!

أراكِ في كل تفاصيل يومي،
في همسي، في صمتي،
في دفءِ أنفاسي…
كأنكِ قَسَمٌ مكتوبٌ على جبينِ قدري،
لا مفرّ منه، ولا خلاص.
فلماذا تصمتين؟
ألا تعلمين أن العاشق لا يحتمل الفراغ؟
وأن الغياب في حضرة الهوى
طعنة لا تبرأ؟
فإن كنتِ عشقتِ، قولي…
وإن كنتِ هربتِ، عودي…
وإن كنتِ نسيتِ،
فأنا ما زلت أذكركِ…
كلما تنفّست.

ولو دقّت ساعة الفراق، يا حبيبتي،
سأجرفُ كبريائي بسيلِ دموعي،
وأَسجدُ، أُناجيكِ،
أبكيكِ في سرّي،
علّكِ تَشعرين بحرقتي،
بحسرتي،
وبخشوعي.
لعلّ خفقان قلبي يبلغكِ،
وتسمعين تنهداتي من أعماقِ ضلوعي.

كنتُ أعلم أنكِ سترحلين، تاركةً خلفك شظايا مشاعري مبعثرة على أرصفة الغياب، تلك التي تكسّرت حين انكسر قلبي وجعًا واحتراقًا، وانتحرت روحي بصمتٍ على أعتاب الفراق. 
كنتُ أعلم أنني سأنهار، وأتوارى خلف ستار الوهم، أتهرّب من وهج الحقيقة كما يهرب الظل من شمس الظهيرة. 
كنتُ أعلم أن كأس الفقد مُرّ، لكني ما تخيّلت مرارته تفوق ألف علقم.

كنتُ على يقينٍ بأنكِ سترحلين، وتتركين خلفك ما تبقّى من مشاعري، من تلك الأجزاء التي تناثرت حينما انكسر قلبي ألمًا وقهرًا، وانتحر على أقدام لحظة الفراق. 
كنتُ على يقين بأن ذاتي ستضعف، وستختبئ خلف ضباب الوهم والإنكار، بعيدًا عن نور شمس الحقيقة الساطعة. 
كنتُ على يقين بأن طَعم كأس الفراق سيكون أشد مرارة بألف مرة من طَعم كأس العلقم.