لطالما آمنتُ بأنَ الملائكة تحرسُ بني البشر من كلِّ شرٍّ وأذية ولأن أطفالنا هم ملائكة الرب يلهون في أحضانه على قطنِ السحاب الأبيض تحت نظره وبرعايته ستنتحرر من قيود الخوف والقلق لنكتفي بأن ننظرَ بوجوهِهم رمز البرأة ودنيا السلام لتتفجر بقلوبنا ينابيع الحنان وترتوي منها مشاعرنا العطشة للمحبة والطمأنينة في صحراءِ ذواتنا القاحلة المحروقة تحت شمس الضغوطات اليومية لحياتنا العصرية. ونهاركم حلو

 

الصلاة الحقيقة لا نستعطي بها من الخالق دوام النِعم الدنياوية كشحادٍ يستعطي الميسورين على قارعةِ الطريق ولا نسنعطفه لإطالة أعمارنا لنبقى إلى جانب من نُحب فالموت حقٌ وخلاص ولا نطلب منهُ الصفح والغفران عن خطايا اقترفناها بمعرفة أو عن غير معرفة بسبب ضعفنا وعدم درايتنا كبشر وبإرادته كونه من خلقنا على ما نحنُ عليه. الصلاة هي عصارة أعمالنا الخيّرة وتضحياتنا اللامتناهية في سبيل الغير والإيمان الأعمى بالمحبة والمسامحة حتى ننسحق تحت رُحىَ طواحين التوبةِ والتواضع. الصلاة هي نوع من التخاطب والتلاقي مع الخالق نستحقها حينما نرتقي بذواتنا فوق الأنانيةَ والمُكابرةْ ولكي أستحق لقياكَ يا خالقي سأهرب من ذاتي، أغسل وجهي بماءِ المسامحة وأمحو عنه ألوان الخطيئة، اليوم سأخلع عني رداء الأنانيةَ والمُكابرةْ ،أرتمي على ضفافِ أنهار طُهركَ اللامتناهية علّني أُطهر من آثامي وأتحررُ من ضعفي ، اليوم سأسرق العطر السماوي من أنفاسكَ يا مخلصي وإلهي وأتعطرُ به علّني أستحق أن ألقاكَ بذاتي وأستقبلك في قلبي فأموت بحبكَ لأحيا بكَ من جديد..

لطالما آمنتُ بأنَ سرّ استمرارية الوجود يكمن في الصراع الدائم ما بين الشيء ونقيضه حيث تكونت نواة الطاقة واصبحت المحور فلولاهما لانطفأة شعلة الحياة وتلاشى نورها كما يتلاشى نور الشمس عند ساعة الغسق،ولو تعمقنا بأبحاثٍ علميّة حول وجهة نظري لتأكدنا من صوابيتها بدأً بكيفية دوران الأرض حول نفسها صولاً إلى خَلقِ الله لمخلوقات الأرض فلكلٍّ وجود نقيض. ولو عُدنا إلى الكتب السماوية ففي معظمها تتشابه بكيفية شرحها الخلق وبداية الوجود، عندما خاطب الله الإنسان قال: يا أيها الناس إنٌّا خلقناكم من ذكرٍ وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل تتعارف حيث تحول البشر وانقسموا على أنفسهم ظالم ومظلوم، مؤمن وكافر، رابح وخاسر إلى ما لا نهاية حتى انقسمنا بالعرق واللون واختلفنا على مفهوم معنى كلمة الله فلكلٍ منا إله يخدم مصالحه ويحمي معتقداته. أتسأل أحياناً وأسألُ نفسي ماذا لو لم تتصارع الشعوب في ما بينها على أرضِ الإله الواحد منذُ الأزل أكانت الأرض ستتحول إلى جنَّةٍ مزيفة أم إنها كانت ستذبل وتزول في غياب الحافز والنقيض؟! حتماً أنا لا أملك الإجابة على هكذا سؤال لكنني أعتقد بأننا لو لم نكن اليوم بموقع المظلوم لكنّا بموقع الظالم، بالطبع أنا لا أُبرر ولا أُوافق على أعمال الشر الذي يقوم بها الإنسان ضد أخيه الإنسان إنما أجدُ من وجهة نظري إننا لسنا سوى أحد النقيضين نتصارع ونزول وكأننا وقود نحترق في سبيل استمرارية الحياة.

في كلِّ مرةٍ نُقدمُ على فعلِ الخير أو نتغاضى عن إساءة ارتُكبت بحقنا من قبلِ قريبٍ او بعيد ونرُّد على الإساءة بالتسامح تنبت زهرة من أزهارِ المحبة في قلوبنا حتى تمتليء وتغد مروجاً ملونّة بألوانِ الخُلّة ،تسكرُ نفوسنا من عبقِ عطرها وتغفو على وسادةِ الطمأنينة لتسافر بأحلامها السماوية على قطنِ السحاب الأبيض فتلامسُ أرواحنا أطراف جنّات الخالق ، عندَ إذن فقط نستطيع أن نقول إننا نعيشُ بسلامٍ داخلي متصالحين مع أنفسنا قبلَ أن نبادرَ إلى مصالحةِ الغير.

حينما كنتُ مختلياً بذاتي قلتُ بسرّيّ بأنني أكبرُ من أن تسعني القلوب الفارغة وأصعب من أن تفهمني العقول المتحجرة وإنَ ألسنة النميمة لن تستطيع أن تروضني وقد ارتقيت بنفسي إلى عالمٍ أبعد من أن تطالني سهامُ الغدرِ٠ فسمعني الصُمّ وتقدموا بشكوى ضدي عند قاضي القضايا المركَّبة في محكمة الباطل والتجنّي واتهمني البُكمُ بالتكبّر والجنون ورسموا لي العميان بعقولهم صوراً فيها من الكذب ألوانٌ وفنون ، ولأن بذور محبتي وبراعم صدقي لا ولن تنبتَ أبداً في صحرائكم القاحلة ولأن غيوم أمطاري تبخرت وتبددت من نار غيرتكم العمياء ولهيب حسدكم قبلَ أن تتساقط حبيباتها الباردة على جمر حقدكم فتزيل ألمكم وتنير عقولكم سأبتعد بهدوء وأغيب عنكم وكأنه غياب الشمس عند ساعة الغسق، لكن ربما سأعود لاحقاً لأتفقدكم وأطلُّ عليكم من خلف جبال براكين تشبهُ بويلاتها البراكين التي أحرقت صادوم وعامور وهي تحرق بالنار والكبريت أجسادكم العفنة وتطهّر بلهيبها نفوسكم المريضة الملوثة بالأثمِ والخطيئة.

 

نم يا جدّي قرير العين وارتح في قبرك فقد تحقق حلمك وأصبحَ حفيدك مليونيراً لا بل فإن معظم أحفادك باتو يمتلكون الملايين بفضل سياسة دولتنا الحكيمة. نم يا جدي مطمئن البال مرتاح الضمير على مستقبل وطن امتلئت منتجعاته السياحية ورمال شطآنه  بالسياح وأصبحَ أعداد الوافدين واللاجئين من أشقائنا السوريين يوازي اعداد اللبنانيين وربما أكثر ، وهل أبالغ لو قلتُ لك بأن ملامح وجه لبنان قد تغير ؟.. نم يا جدي ولا تقلق على مستقبل أولادنا فإن معظمهم قد سافر إلى بلاد الغرب وأوروبا بحثاً عن وطن يتسع لأحلامهم ويلبي طموحاتهم بعد ما خسر الشباب اللبناني فرص العمل واستبدلت اليد العاملة المحلية باليد الأجنبية بغية زيادة الأرباح لأرباب المصالح الضيقة. نم يا جدي ولا تقلق فما زالت أجراس الكنائس تقرع بمحركات الطاقة الكهربائية بعد أن انشغلت عنها زنود شبابنا ببناء مستقبل يليق بالإنسان في بلاد الغربة ، نم يا جدّي وإياك أن تلبي النداء حتى في يوم القيامة  

لأن الحب والسياسة كِلاهما خَطِر على من يتجراء ويدخل عالمها ويصبح معرّض لحكم الإعدام إمّا شنقاً على أيادي زعيمٍ ظالمٍ مستبد أم يموت غرقاً في بحرِ العشق ،او الانتحارِ ، سأتجنب الخوض في مخاطرهما وأُحلقُ بقلمي في فضاء الحرية فوق سماوات لا تطالها أيادي البشر وأنثر بذور كلماتي على قطن السحاب الأبيض ما بين مكرِ السياسة وبرأة الحب ، وأنتظر ،نعم سأنتظر علّها تتفتح براعم الأمل في صحراء سياسة المكر والخداع،وتشرق شمس المحبة من خلف جبال اليأس والإحباط

لأنَ مفهوم الصلاة يختلف بين شخص وآخر ولأنني أجدُ بالصلاةِ خلاصي وملجأي من كلِّ شرٍّ وأذيّة ولأنني مخلوقٌ ضعيف أخافُ أن أقع في الخطيئة والتجارب ربما سأبقى مختبئاً في ذلك الملجاء الحصين حتى لحظة مماتي