كنتُ لا ازالُ متمسكاً بأطرافِ ثوبِها عندَما انزلقَ من بينِ اناملي الرقيقةْ وخطوتُ خطوتي الأولى نحوَ عالمٍ جديد ، عالمٌ يحكمهُ القوي ويديرهُ المنافق، كنتُ حِينَها لا ازالُ طفلاً صغيراً أستمدُ من أمي القوةَ وتعطيني بدورها الدِفئ والحنان .تعرفتُ على مشاعرٍ القلقِ والخوفْ(سرُّ النجاح) للمرةِ الأولى عندما دخلتُ في يومي الأول إلى المدرسةِ . رافقتني تلك المشاعر حتى بلغتُ سنَّ المراهقةْ واكتسبتُ من التجاربِ ما يكفيني لأتمتع بثقةِ النفس وقوةِ الشخصية لمواجهة المشاكل وتجنبها في الحياة اليومية ثم عاودتني تلك المشاعر عندما دخلتُ إلى معتركِ الحياة في مطلعِ الشباب لأعمل في الشأنِ العام حيثُ نواجه من الصعابِ والتجاربِ والألم ما يجعلُ منّا رجالأ أشداء نصلحُ لأن نكونَ مداميكاً لبناءِ وطنٍ يليق بالأنسان وما زالت تلكَ المشاعر ترافقني حتى اللحظة .!

إن الروح البشرية تولد صفحة بيضاء حرَّة كأحلامِ الطفولة، في مجتمعاتٍ مختلفة تتأثر بصدى عاداتها وتقاليدها وتعلق بدوامتها وما تلبس أن تتحول تلك الأصداء إلى إيحاءآت تأسر عقولنا بمعتقدات قد تكون خاطئة ونجد انفسنا مكبلين بقيود نسجت من خيوط الجهل والأوهام تنطبع بها شخصيتنا على تلك الصفحة البيضاء نلونها بعواطف ومشاعر تختلف عن بعضها إختلاف فصول الطبيعة لتتشكل لوحةً تشبهُ ذواتنا المتعددة المتناقضة . وهنالك ايضاً أرواح حرَّة تتمرد على القاعدة تكسر قيود تلك المجتمعات الضيقة بجرأتها وتنطلق في سماءِ الحرية ثم تتلاقى من دون موعد وفي أماكن غير محددة لتشكل مجتمعات حرَّة تشبهها تنطلق بها نحو التطور والتغيير … فأين نحن من تلك المجتمعات. ؟

بالأمسِ البعيد سمعتُ بأنَّ الجنة تقعُ تحت أقدامِ الأمهات ، ولأنني يتيمُ الأم منذُ صِغري وجدتني هائماً على وجهي تائهاً ما بين أصناف البشرِ أبحثُ عمن يكفكف دمعي عن خدي ويخفف من هولِ الألمِ ويبعد عني أحزاني .هزل جسمي وتعبت روحي من شدة الألم حتى فقدتُ صبري وضاعَ مني إيماني فتقاذفتني رياحُ القدر ووجدتُ نفسي غارقأ في بحرِ حُبكِ يا صغيرتي وكأن الله يكافئني ويبعدُ عني احزاني ولكن سرعان ما اكتشفت ذاتي بأنَها أسيرةً تتأرجحُ حزناً وفرحاً ، على أرجوحةِ مزاجيتكِ طوراً في حدائقِ جناتك وتارةً في آتونٍ من نارِ

قَالَتْ لِي : دَعْنِي أَدْخَل إلَى بساتينكَ الملوّنة وأقطف مِن ثمارِ النضوجِ النَّادِرَة أتحصَّن بِهَا مِنْ أخطاءِ وأغراءاتِ السِّنِين العَابِرَة فِي قِطَارِ الأزمانِ ، فَأَنَا أَرَى ثِماركَ تَتَلأْلأ وتتدلَّى مِن أغصانِ أشجارٍ شَامِخَة اِرْتَوَت وكبُرت مِن يَنَابِيعِ تجاربك وخبراتك بِالْحَيَاة… وَاسْقِنِي بكأسِ الحبِّ مِن خَمْرَةِ الْحَنَّان المعتَّقة فِي خَوَابِي مشاعرك الرَّقِيقَة وخواطركَ الْعَمِيقَة ، فأعطيكَ أَنَا بدوري قَارُورَةً مِنْ عطرِ النضارةِ وَالشَّبَاب مَمْزُوجَةٌ بِدَمْعِةِ حُزْنٍ مَنْ دُمُوعِي الْغَالِيَة ، أضمكَ بعناقٍ بَرِيء وأطربكَ بهمساتٍ دافئة تأخذكَ عَلَى صهوةِ حصانٍ أَبْيَض إلَى ذَلِكَ السَّهْل الْأَخْضَر حَيْثُ كُنْتَ تَلْتَقِي بِتَوْأَم روحِكَ وأميرة احلامك . . . أقنعتني بِكَلَامِهَا وأغرتني بِجَمَالِهَا ، ففتحتُ لَهَا قَلْبِي واسقيتها مِنْ كَأْسِ الحبِّ المرصَّع بأحجارِ العاطفةِ وَالْحَنَّان فَضَاعَت مِنِّي مَا بَيْنَ حدائقي وبساتيني وسَكِرتْ مِن خمرةِ الحبِّ الْمُعْتَق فِي تِلْكَ الْخَوَابِي. وَمَا زلتُ حَتَّى الْيَوْم أبْحَثُ عَنْهَا عبثاً وَلَمْ أَجِدْهَا لَا فِي اعماقِ بحاري وَلَا عَلَى رمالِ شطآني…. . لَكِن لمحتُ عَنْ طَرِيقِ الصُدَفَة قَارُورَة مرميةً عَلَى إحْدَى دروبي فِيهَا مِنْ عِطْرِ النَضَارةِ وَالشَّبَاب فَحَمَلتُهَا بِيَدِي وَأطَلَقتُ عطرها فِي ارجاءِ الْمَعْمُورَة وَإِذ بِذَاتِي الثَّانِيَة تعانقني عناقاً بريئاً وتهمس لِي بهَمَسَاتٍ تَأْخُذَنِي معها إلَى عَالَمِ الْأَحْلَام ثُمّ أحسُّ بدمعةِ الحزنِ تَتَدَحْرَج عَلَى خَدّي فألتقطُها بطرفِ إبْهَامَي وأمزجُها فِي قَارُورَةِ العِطْر فيكتملُ المشهد وتتطايرُ مني أحزاني.

!ها أنتِ اليوم وبعد أن دخلتي إلى بساتيني وتذوقتي من ثمارها النادرة ، زرتي حدائقي وانتشيتي من عطر أزهارها الملوَّنة ، شربتي من خمرة الحب المعتقة في خوابي عواطفي حتى الثمالة… لعلني أراكِ قد وفيتي بما وعدتِ به فأغدقتي عليَّ بقارورةٍ من عطرِ الشباب الساحر وفي كلِّ مرةٍ أتعطر به يستحضر بسحرهِ طيفكِ فأستنشقكِ إلى صدري وتدخلين في أعماقي ، تسكنين روحي ، أنخطفُ بنشوتي وأُسافر على صهوةِ ذلك الحصان الأبيض لألتقي بأميرة أحلامي في ربوعِ السهل الأخضر كما وعدتني فلا أجدُ سواكِ أميرة قلبي وطبيبة أخزاني ، ولكن دعيني أتوسلكِ أن تستبقي على دمعتكِ الغالية ، فما من أحدٍ يستحقها من أبناء جنسي سوى لحظة فراقي…!

 

لأنني أحببتك حُبّ الآلهة سأُحقق لك طلبك الأخير
بعد أن بنيتُ لها معبداً على أطرافِ الجنّة وسميته بأسمها جعلتها ملكة على عرش قلبي أحبتني ،نعم أحبتني وسكرت من عطرِ العشق والحنان ثم قالت لي : أحبكَ ولكن من شدةُ حبي لكَ كرهتك لأن مشاعري وكياني اصبحا رهينتين في عالمك المميز فاعتقني من قيود حبك لاتحرر منك وأكرهكَ فقد اتعبتَ قلبي وأنهكتَ مشاعري…لكِ أقولُ سمعاً وطاعةً يا مولاتي فما طلبتي مني يوماً طلباً إلا ونفذته وما حلمتي بحلم إلا وتحقق : إكرهيني لو أردتي فتتحرر ذاتي منكِ وأتحررُ أنا من ذاتي . ولأنك امرأة استثنائية كما وصفتُكِ دائماًسأكتبُ لكِ بأقلامِ الخيبةِ ، والحبرُ
دمائي ..(إكرهيني ﴾صَدَقَ من قال إنَّ الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلبِ في أنيابها العطب
ولكن لن أكون أحد ضحاياكِ في الحبُّ يا من تشبهين الأفعى بملمس جسدكِ العاري وتقلباتها في اللحظات الحميمة( إكرهيني ) ،لن تستطيعي أن تستمتعي بطعم دمائي بعد أن غرزتي أنيابكِ العاجيّة في صميمِ مشاعري لأنني شربتُ من كأسِ آلهة الحب واكتسبتُ المناعة وسكرتُ من طيبِ أنفاسها وبتُّ عصياً وأبعد من أن تطالني سهام الغدر من أمثالكِ فقد تحصنت ذاتي بصفاءِ الروح وعالم السكينة وتعمدت جحافل غضبي بنهر المسامحة والغفران ،كفرتُ بذاتي وكسرتُ أعمدة قناعاتي ومعتقداتي إكراماً لعينيكِ ،أما أنتِ فقد دسستِ السُمَّ في كأسِ حبيَّ الطاهر على غفلةٍ مني بعد أن تربعتي على عرشِ قلبي فلَعَنَتكِ ملائكةُ السماء وطردتّكِ من ربوعِ جنَّاتها، وامتَعَضت ذاتي من زيفِ حُبكِ وغادرت مشاعري ربوع جنّاتكِ المزيّفة ومحت بنظراتِ الخيبة والندم تلكَ الآثار التي تركتها قدماها العاريتين في رمال صحراءكِ القاحلة ، أما رورحي فقد حلّقت مع ملائكة الحب المجنحة في سماءِ مخيلتكِ ومحت من ذاكرتكِ تلكَ اللحظات المميزة التي لم تستحقينها يوماً بعد أن حرَرَتها من سجونكِ المظلمة الغارقة في مستنقعاتِ الوهمِ والخداع، ستحملين عقابكِ كما تحمل الأم جنينها في عمقِ أحشائها وستشعرين به وكأنه جزء منكِ ،سينمو بداخلكُ ويكبر حتى تنفجري غيظاً وندماً، لا ولن تشعري بعد اليوم بطعم الحب الحقيقي بعد أن تذوقتي القبلات من شفاهِ الآلهة ولن تحسي بلمسات اي رجل من هذا العالم بعد أن لَمَسَتكِ أناملي الدافئة فارتعشتي عشقاً وغراماً ،لن تستمتعي بنسمات الدفىء والحنان بعد أن غفوتي على عُري صدري شعرتي بالأمان وسافرتي بأحلامك الوردية على أنغامِ نبضات قلبي … لا تتأملي ولا تستجدي فلن تحصلي على الصفح والغفران مني حتى ولو أتيتني غارقةً في دموعكِ وسجدتي على أقدامِ عرشي تسترين بشعركِ المجنون خطايا وآثاماً ما زالت آثارها على جسدكِ العاري…أغربي عني يا من ناديتكِ بتوأم روحي فكنتي لأبليس التوأم وغذاء لروحه.إكرهيني ،إكرهيني فما تركتُ لكِ عذراً كي لا تكرهيني…إكرهيني قد أكون أنا من يحتاج أن يتحرر منك فاكرهيني

مهلاً لأخبركَ عني يا من ناديتكَ بصديقي وادَّعيتَ بأنكَ من أغزِّ الخُلاني … عرفتُ نوعانِ من أنواعِ البشرِ لا ثالثَ لهما أحببتهم وأحبوني أدخلتهم الى عالمي وأوليتهم اهتمامي . غمرتهم بصدق مشاعري ،بعطفي وحناني وأسقيتهم من نبع المحبة حتى ارتوا.اغتسلوا من آثامهم بطهرِ التوبةِ وعمقِ الإيمان ،ولكن هنالك من سَكِرَ منهم بخمرة الغرور والاستكبار ودفعتهم أبالسة الغيرة والحسد 
عن أطرافِ قلبي وسقطوا على بساط الشك والأوهامِ .لهؤلاء أقول إن صدقَ مشاعري وطهرَ وجداني كأمواجِ البحار تلفظُ كلَّ من لا يؤمن بها على رمالِ شطآني يتحولُ رماداً من لهيبِ شمسي ويتطاير غباراً مع رياح النسيانِ

ألم تشعري بدفىءِ وصدقِ مشاعري حينما حضنتُكِ وضممتُكِ الى صدري قبلَ أن أنهارَ من هولِ الإتهامِ ؟ساجداً خانعاً عندَ قدميكِ أستغيثُ من شدّةِ الألمِ أنتظرُ صفحكِ وأطلبُ رضاكِ ! ألم تلاحظي كيفَ انهارت ذاتي أمامكِ تستعطفكِ وتطلب منكِ الصفحَ والغفران عن خطيئةٍ لم أرتكبها لا بعالم الواقع ولا حتى بخيالي ! ألم تشاهدي بريقَ دموعي كيفَ كادت أن تنفجرَ قهراً وظلماً لتتدفق منها شلالات الندم والأستغفار على خدودِ نهديكِ ؟ ألم تدركي أنَ نظراتَ الشكّ والعتاب نزلت على عريِّ جسدي من أقواسِ عينيكِ كسياطِ جلّادٍ أعمى هشمت حيائي وأدمت فؤادي ؟ أما أنتِ فقد تربعتي على عرشكِ المرصَّع تسمعين صراخي وتستمتعين بآهاتي تراقبين من عُلياكِ ذلك المشهدُ الأليم كيف انتحرت ذاتي وسالت دماؤها على مذبحِ حبكِ إكراماً لعينيكِ .

بَعْدَ أَنْ وقعتُ فِي نقاشٍ عَقِيمٍ حَوْل أَمْور مَحْظُورَة مثلَ الحب، السياسة والدين خارت قُوَاي وأنهكني التَّعَبِ بعدَ أن حاولت جاهداً الخروج من حقل الغامها هرباً من المساس بهالتها وقدسيتها ،جَلَسَتْ عَلَى اريكتي وغفوت متقوقع عَلَى نَفْسِي مِنْ شِدَّةِ الحزنِ والْأَلَمِ ، وَإِذ بأريكتي تَتَحَوَّل طوفاً تَطفُو بِي عَلَى بِحَار الاحلامِ تتقاذفها خيبات الْأَمَلِ حَتَّى وَصَلَتْ إلَى أَحَدٍ البلدانِ ، فَنَزَلَت اِسْتَكْشَف شواطئها وَأَبْحَثُ عَنِ أَصْحَابِي وخلاَّني فَوَجَدْت كُلٍّ مِنْ فِيهَا كتعٌ صُمٌ وأيضاً عورانِ وعتبتُ عَلَى نَفْسِي وحزنتُ عَلَى ذَاتِيٌّ مِن كَوْنِي مختلفاً عَنْهُم اعْمَلُ بِيَدَيْن اثنينِ أَسْمَعُ مَا يَحْلُو لِي من طربٍ وَانْظُر النورَ بعينينِ فَأَخَذْتُ عَلَى الفورِ سَيْف قُطّعَتُ بِهِ يَدِي الْيُسْرَى وَقُلِعَت عيناً مِنْ عَيْنِي فترضّى عليَّ مِن حَوْلِي وَأَصْبَحُوا عِشْقِي وخلاَّني .

بالأمسِ كتبتُ لكِ ما كتبت من خواطرٍ وأشعارٍ ورسمتُ لك لوحة فسيفساء من قطعِ لأجزاءِ قلبٍ تحطم شوقاً وغراماً ولونتها بألف لونٍ ولون من مشاعري المرهفة وقلتُ لكِ سأحبُكِ حتى يعحز الحب عن إرضائي واليوم وبعد أن تعبَ الحب مني وعجزَ عن إرضائي طردني من معبده ودنياه عقاباً لي فبنيتُ لكِ معبداً على أطرافِ الجنّة في عالمٍ يشبهُ عالمنا الخاص سميّتُه بأسمكِ وزخرفتُ مداميكه بأبياتِ شعري ورفعتُ أعمدته بأشواقي وحنيني .رجوتُ ملائكة السماء أن يكونوا حرّاساً لنا وجعلتُ من قطنِ السحاب الابيض فراشنا ومن ينابيغِ آلهة الحب والخلود غذاءً لروحينا فادخلي يا أميرتي وتربعي على عرشكِ فأن قلبي وذاتي بانتظارك